فدول مثل إيران، سعت -من قبل- إلى مدِّ دعمها إلى الجماعات التي تنشط في الدول الغربية، لتوصل الصوت الذي تود إسماعه في تلك المجتمعات، ومع استعمال تركيا للغة الدينية في أهدافها السياسية، كانت هي الأخرى حريصة على أن يكون لها بصمة في تشكيل وعي الأقليات الدينية في المجتمعات الغربية، فلم تنفق كلَّ تلك الأموال الطائلة التي وظفتها إلا لتربط قطاعًا من المسلمين بها على هيئة المنح الجامعية، وإحياء العديد من الأفكار المرتبطة ببديع الزمان النورسي، وفي الوقت نفسه كانت تخشى من جماعة فتح الله غولن، التي نشطت في الولايات المتحدة، ولذا فإنها حرصت على إيجاد مدٍ مقابل.
وفي الوقت نفسه كانت جماعة الإخوان هي الأخرى قد سعت إلى نقل قواعدها إلى مختلف الدول الغربية، وتركزت في بريطانيا، حتى إن بعض الكتاب عبّروا عن هذا الوجود الإخواني الكثيف في بريطانيا بأن لندن بالنسبة إلى الإخوان هي كراتشي الغرب، باعتبار موقع كراتشي في الثمانينيات، حيث تجمع فيها مختلف قادة الإخوان ليشكلوا مركز تكوين الأفكار المتطرفة في أفغانستان قبل توزيع أتباعهم على المنطقة العربية، ويعيش العديد من الذين شاركوا في أفغانستان جنبًا إلى جنب التنظيمات المختلفة في بريطانيا، وصاروا يقدمون أنفسهم على أنهم محللون، أو أنهم ممثلون للأقلية الإسلامية في بريطانيا.
فكان الكثير من المسلمين الغربيين عرضة للاستغلال، فمع صعود موجات التطرف كان أبناء تلك المجتمعات يقدَّمون كقرابين في التنظيمات الإرهابية، ففي غمرة ضياع الهوية، كان المتطرفون يستغلون جهل المسلمين الجدد، وحتى العديد من أبناء الأقليات الإسلامية لإرسالهم إلى البلاد العربية والإسلامية للقيام بأعمال إرهابية، يضللونهم في أهدافها، ويزعمون زورًا أن الإسلام يأمر بها، وكانوا في الوقت نفسه يؤلبون على مجتمعاتهم، فإذا حدث منهم مكروه، اتهم متطرفون ضد الإسلام الدول العربية بأنها السبب، فكان المسلمون، والعرب إما في موضع مهاجمة فعلية، أو دعائية في الحالين.
وقد أفرزت تلك الأقليات الإسلامية عددًا من السياسيين، فكان العديد منهم قد تعرض لموجات توجيه دون أن يفطن لها، في مراحل سابقة من حياته، حملته للظن بسوء في عدد من الدول العربية، ولا يعلم أن كثيرًا من قناعاته إنما بنيت على معلومات مضللة، أو توجيه بعيد المدى، استغل ثقافة تنقصها المعرفة الدينية، والواقعية، ليحكم على أحوال المجتمعات العربية والإسلامية، فكان منهم للأسف من صار على العرب والمسلمين، ويظن أن ما هو عليه يأمره به الإسلام.
كل هذا يظهر أهمية رعاية الأقليات الإسلامية في المجتمعات الغربية، من أصحاب الفهم الوسطي السليم والقويم للإسلام، ومن قبل كان «مالكم إكس» قد زار السعودية، وتعلم فيها لأشهر حتى أدرك أن ما كانت تقوله له جماعة «إليجا محمد» من عنصرية الإسلام ضد البيض إنما هو فهم مغلوط للإسلام، فلما زار السعودية علم بأن الإسلام لا يأمر برفعة عرق على آخر، إنما يرفع المرء عمله الصالح، ومع انفتاح المراكز الإسلامية اليوم في الغرب، وإقبال العديد من الغربيين على محاولة التقرّب من الأقليات الإسلامية، وفهم الإسلام، فإنَّ الحاجة ماسة، إلى أهمية نقل الإسلام بما يحمله من ضمانات للأمن الفكري إلى الأقليات الإسلامية في المجتمعات الغربية، بحيث يظهرون ما يحققه الإسلام من أهمية في تلك المجتمعات، ويعصمون أبناءهم من الوقوع في التطرف، أو ضياع الهوية.
فمن واجب الوقت أن يتم العمل على تعليم المسلمين في الغرب، وإفهام غير المسلمين الإسلام بصورة صحيحة، حتى لا يقع المتلقي بتضليل جماعات وتيارات متنوعة، تستثمر في قضايا المسلمين دون أن تعبّر عنها، لتؤلبه مرة على مجتمعه، وفي أحيان أخرى تؤلبهم على الدول العربية وتضع الأقليات الإسلامية في موضع الدفاع عن نفسها، في إطار استغلالهم لتشكيل ذراعٍ ناعمة لدول لها أطماعها القومية الخالصة، بعيدًا عن الإسلام نفسه.