بجهد كبير، ووقت طويل جرى العمل على موسم الرياض، ليكون حدثًا مهمًا على الصعيد الداخلي والخارجي، في الاقتصاد، والدعاية، والفن، والثقافة وغير ذلك، وفجأة دهمت الجميع أحداث فلسطين، فكانت السياسة السعودية سبّاقة في المواقف، فعملت بجهد وكفاح دبلوماسي عالٍ للوقوف مع الأشقاء الفلسطينيين في محنتهم، ودعمهم، وكان وليّ العهد أوّل من اتصل بالرئيس الفلسطيني، مبيّنًا له وقوف السعودية مع الشعب الفلسطيني، وقد ضجرت صحف غربية من الموقف السعودي، فهاجموه، وقالوا إنه لا يحمل في طياته ما أردنا!

وبلغت التصريحات الإسرائيلية مراحلها القصوى في التطرف مع وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو الذي نادى بضرورة استعمال السلاح الذري على أهل غزة! وكانت اللهجة السعودية شديدة في مقابله، فوصفت ذلك في بيان وزارة الخارجية بأنه تصريح متطرف، من وزير في «حكومة الاحتلال الإسرائيلي» وأنه يدل على تغلل التطرف والوحشية في أعضاء الحكومة، وبيّنت أنَّ عدم إقالة الوزير فورًا والاكتفاء بتجميد عضويته يعكس قمة الاستهتار من الحكومة الإسرائيلية.

لكنَّ جماعات التطرّف التي لا همَّ لها إلا استثمار دماء الأطفال المسفوكة للتحريض على الدول العربية، في وقاحة وصلف، انهمكوا في التركيز على موسم الرياض الذي أعد له قبل الحرب على غزة، وسعوا إلى جعله شمّاعة يعلّقون عليها كل خيباتهم، وإلصاق التهم الباطلة بالسعودية، رغم أنَّ هذه الجماعات في واقع الأمر تهاجم جميع الدول العربية، ولا ترضى عن أحد حتى يسايرها في منهجها، ويأويها، ضد شعوب المنطقة! التي اغتر بعضهم بتلك الدعايات دون وعي منه.


فقالوا إنَّ الموسم كان لحرف الأنظار عن فلسطين! متجاهلين أنَّ القمة العربية التي تستضيفها السعودية في الرياض على رأس أولوياتها القضية الفلسطينية، فأن تستضيف القادة العرب لتحقيق موقف موحّد من الحرب على غزة، هو السعي الحقيقي لجذب الأنظار للقضية الفلسطينية، وهذا العمل من أبجديات السياسة، لا ما تشغّب به تلك الجماعات بعيدًا عن الموضوع، وعن مجاله، ومضمونه.

وقبل مدّة خرج أحد قادة الميليشيات في العراق، في مقطع شاهده كثيرون يهدد طائفة دينية مخالفة له، لأنَّ بعضهم عقد قرانه واحتفل بعرسه في وقت ذكرى مقتل أحد الأئمة قبل أكثر من ألف سنة، واعتبر هذا سخرية منهم بالإمام! وأنه لا يجوز الاحتفال في تلك الذكرى، ألا يشبه هذا المنطق الأعوج تلك الأصوات، التي تعامت عن لغة السياسة، إلى أخرى بعيدة عنها تمامًا، همّها التحريض لا مساعدة الفلسطينيين.

وقد كانت فكرة الإضراب عن العمل أداة استعملتها الشعوب لأهداف عديدة، وبخصوص القضية الفلسطينية، كان الفلسطينيون يعلنون الإضراب في الانتفاضة الأولى (1987) لسبب واضح، أنَّ من كان يشارك في أحداثها قد يُكشف، ويتعرّض إلى الاعتقال متى علم الإسرائيليون بتغيّبه عن العمل، فآثر الفلسطينيون حينها إعلان الإضراب حتى لا يكشف المتغيّب منهم، فصار الجميع لا يعمل وقتها، كان هذا مفهومًا بهذا السياق، لكنَّ الأصوات التي سعت إلى التقليد دون فهم منها بل نقل هذا الإضراب إلى الرياض! واتخاذ موسم الرياض موضع مزايدة على موقف السعودية، لم تدلل ولو مرة واحد على فائدة ما يدعون إليه، سوى استعراض تأثيرهم فقط!

قالوا إنَّ هذا يغطي على الأخبار التي تنقل، وهي حجة باطلة من أساسها، فمن الذي حجب أخبار فلسطين؟ كيف والسعودية نفسها أعلنت عن قناة رسمية لاستقبال تبرّعات للناس فيها، وحثهم عليها، وسارع مشايخها وعلماؤها لترغيب الناس في عمل الخير والجود بمالهم، وقد وجّهت وزارة الشؤون الإسلامية خطباء الجمعة والأئمة ليحثّوا الناس على هذا؟ ثم انظروا إلى حال هؤلاء، إذ حوّلوا القضية من فلسطين إلى مهاجمة بعض الفنانين الذين شاركوا في الموسم، وصار شتم الفنان المصري بيومي فؤاد شغلهم الشاغل في مواقع التواصل، ودعوا إلى مقاطعته، في حملة كبرى بعيدة تمامًا عن فلسطين، وانهمكوا في استعراض نفوذهم، دون وعي منهم بما يقومون به في كثير من الأحيان، حتى ولو كان عبثًا واعتداءً صارخًا على الناس بغير وجه حق، فقاموا بحملة على أحد المطاعم بحجة أنَّ الفنان يملكه، ثم لما انخفض تقييمه، إذا بهم يعلمون متأخرين بأنَّ هذا المطعم لا علاقة له به، فأضروا بمالكه البعيد لخيالاتهم، بعد بث حقد العاجز فيهم!

إنَّ موقف السعوديّة ثابت معلوم من القضية الفلسطينية، تقوم به سياستها، وتكافح عنه دبلوماسيتها، جاهدةً بأنَّ ترجع الحق لأصحابه، وهذا لا يكون بتصرفّات الساذجين، الذين هم أول من حرف الصورة ونقلها إلى الهوامش، مفتعلًا الخلافات البعيدة، حتى اختزلوا الأمر في مهاجمة فنان.