بعد مرور أسابيع على اللقاء الذي كان مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع قناة فوكس الأمريكية، وما تبعه من مختلف الانطباعات والرؤى والآراء في محاور اللقاء، وفي الإجابات، وفي لغة الجسد، واختيار المكان والزمان والعديد من التحليلات التي يستند بعضها على دراية ومنطق، أو الذي قد يكون كرؤية خاصة خالصة؛ إلا أن يقيني أن هناك ميزة مهمة يمكن ملاحظتها في مثل هذه اللقاءات، أو فيما يستجد على مستوى الوطن من أحداث وفعاليات محلية أو دولية. هذه الميزة هي القدر الذي يملكه ولي العهد من الذكاء الاجتماعي -ضمن ذكاءات أُخرى يتمتع بها سموه-، وهي مهارة مهمة وفاعلة خاصة من القادة والمسؤولين مع من يملكون السلطة والقيادة عليهم.

شاهدي الخاص في إدراك هذه المهارة والتي جاءت عفوا في صباح اليوم التالي بعد ساعات قليلة من اللقاء حدث وأنا أعيد مشاهدته على هاتفي المحمول، بينما كنت في قاعة انتظار أحد المرافق العامة بجواري ابني المراهق المنشغل بعوالمه في الفضاء السيبراني، والذي التفت فجأة منصتا حينما ذكر ولي العهد أنه يقضي وقت فراغه في لعب الألعاب الإلكترونية: «أحب لعب ألعاب الفيديو منذ كنت طفلًا وحتى اليوم»، ثم انتقل بشكل مباشر للبحث عن اللقاء في مختلف منصات التواصل الاجتماعي التي يملك حسابات فيها، ويسألني بعدها باهتمام عن سندالة، وجزر البحر الأحمر، ومشروع الربط بين الهند وأوروبا، ومعنى بريكس، ومشروعية الأسلحة النووية. ولولا أن حان دورنا في الانتظار الذي كنا فيه لاستمر في السؤال والاستفسار عن التفاصيل التي ذكرت في اللقاء ومعانيها وسياقاتها.

كل هذا الفضول الذي اكتسبه هذا الشاب الصغير للسؤال ثم البحث على مدى الأيام التالية، وبالتأكيد مثله مئات الآلاف، كان سببه أن حديث ولي العهد تقاطع مع اهتمام مثير لديه -الألعاب الإلكترونية- اهتمام ربما يكون مهمشا في المجتمع ومحاربا لوقت قريب باعتباره هدرا للوقت والمال، لكن ما حدث يعيد اكتشاف هذا المجال المهم، على مستوى الأشخاص وعلى مستوى الدولة، وقبله يوضح كيف كانت عبارة قصيرة في سياق لمواضيع مهمة، عبارة قيلت بذكاء لا لأجل استعراض الحياة الخاصة، كان لها سبب في فتح آفاق من التساؤلات، والتساؤل يقود للبحث، والبحث بوابة المعرفة.


أستعيد هذا الموقف عقب لقاء ولي العهد بعدة أسابيع بعد أن جاءني هذا الأسبوع ذلك الشاب الفضولي أعلاه مخبرا ومبشرا عن أنه تم الإعلان خلال مؤتمر الرياضة العالمية الجديدة عن إقامة المملكة لبطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية بدءا من صيف عام 2024. وهو خبر بقدر أهميته العاطفية لديه إلا أنه أخذنا في محاور متعددة من الأحاديث حول الأبعاد المهمة التي ستكون خلف مثل هذه البطولة؛ أبعادا اقتصادية، وسياحية، وترفيهية، وفرص وظيفية.

إن أفضل الطرق لتنمية المجتمع تكون من خلال الاستثمار البشري وخاصة فئة الشباب، وأفضل الطرق لاستمالة الشباب والاستفادة من قواهم المختلفة تكون باستمالتهم لمواطن يفضلونها، حيث التحدي والمنافسة وإظهار المقدرة والقوة والتميز، قد تتباين هذه القدرات والقوى فتمتد من معامل علمية حتى ألعاب الكترونية، وفي جميع المساحات سيكون للعمل في الاستثمار فيهم لتقديم ما لديهم في تلك المجالات عوائد شتى، مادية ومعنوية، على الفرد والمجتمع والدولة. المهارة تكمن في استمالتهم بذكاء، وإثارة فضولهم، وتوليد التساؤلات في ذواتهم، ثم توضيح خارطة الطريق لهم للمساهمة والمشاركة والعطاء ثم جني الثمار.

نجاح أي منظومة يبدأ من قادتها، وحينما يتعامل القائد مع شؤون منظومته بذكاءات متنوعة وعلى رأسها الذكاء الاجتماعي، بما يتناسب مع كل موقف، فإن تنوع وثراء العاملين سيكون إيجابيا، وفرص الفوز والتميز ستكون فارقة.