تحرص جميع المنظمات الصحية على تعزيز مكانتها لتكون مؤسسات ذات موثوقية عالية تهتم بالأداء الجيد وكذلك بالسلامة كأحد اهم أهدافها الإستراتيجية. وللوصول إلى ذلك فإن الأمر يتطلب الانتقال من الممارسات التقليدية والتي تركز على الممارس الصحي ليكون المحور الأساسي في تقديم الخدمة الى المريض ليصبح هو جوهر الخدمة الصحية ونواتها التي تتبلور حولها جميع الأهداف والإستراتيجيات الصحية والتي تجعل من سلامته أولوية لها.

إرساء ثقافة السلامة يتطلب العمل على إرساء مجموعة من المعتقدات والعادات ولمواقف والأدوار والممارسات الاجتماعية والفنية لتكون قادرة على حماية العاملين والعملاء والمجتمع من الخطر والضرر. وإرساء ثقافة السلامة مهم جدًا لاسيما في ظل وجود مخاطر عالية بسبب نوعية الأمراض وصعوبة الإجراءات الطبية وخطورة الأدوية والأجهزة المستخدمة.

هناك عوائق على مستوى العالم ما زالت تشكل تهديدًا وتأخرًا في تطبيق ثقافة السلامة ومن أهم هذه العوائق أن معظم قرارات التحسين مازالت في أيدي الممارسين الصحيين حصرًا وقد حان الوقت لتشارك هذه الصلاحيات مع المرضى والمجتمع.

ومن العوائق أن المجال الصحي يعتقد الكثير أنه مجال يجب أن يحظى بالكمال والمثالية وأن الخطأ يجب ألا يقع وهذا يتعارض مع مفهوم العامل البشري والذي ليس معصومًا من الخطأ، ومن هنا لا بد من التركيز على تجويد الأنظمة لتمنع الممارس الصحي من ارتكاب الأخطاء وألا نترك مسؤولية ارتكاب الخطأ من عدمه على الممارس الصحي فقط. ومن المخاطر أيضًا تطبيع العادات وهذا لا يقتصر على المجال الصحي وإنما نراه في مجالات كثيرة والتي تجعل من بعض الأمور غير الصحيحة أمرًا مألوفًا وطبيعيًا كالتأخير في مباشرة العمل والقيام بمهام من قبل شخص واحد بينما المهمة تتطلب فريق عمل، ومع مرور الوقت يتكيف الأفراد مع هذه الظروف حتى تصبح أمرًا مقبولا وبيئة مناسبة لحدوث الأخطاء. كما أن التعامل في المنظمات الصحية تسيطر عليه السرية الكاملة وعدم تشارك المعلومات والخوف من الانفتاح والعمل على مواجهة التعقيدات واكتشاف الأخطاء قبل وقوعها والعمل على تطوير بيئة محصنة تساعد العاملين في تقليل الخطأ البشري. ومن أجل إرساء ثقافة السلامة لا بد من نشر ثقافة التبليغ والإفصاح والتي تلزم جميع الممارسين بشرح وكشف جميع الممارسات الصحية والخطط العلاجية والمضاعفات المحتملة للعملاء.

كذلك يجب إرساء ثقافة العدالة وأن النظام الذي يعتمد على معاقبة مقدمي الخدمة على أخطائهم لن يساعد على تعزيز مفهوم ثقافة السلامة وإنما يجب الاهتمام بالجوانب التنظيمية التي تمنع الخطأ بدلا من الانتظار حتى وقوع الخطأ ومعاقبة المتسبب وهذا الأسلوب للأسف يلقى رواجًا لأنه الأسهل. ويجب أن نعلم أن الاهتمام بالأمور التنظيمية لا يعني إغفال مبدأ المحاسبة والمساءلة في الأمور التي تتعلق بالإهمال وعدم المبالاة. ومن أهم علامات إرساء ثقافة السلامة مبادرة ثقافة التعلم فالتعلم من الأخطاء التي تحدث على مستوى العالم والقراءة عنها والتعلم منها ووضع التدابير لعدم وقوعها مرة أخرى يعتبر من أهم خطوات التحسين في إرساء السلامة الصحية. وأخيرًا لا بد من إيجاد بيئة غير عقابية تشجع العاملين على الإفصاح عن كل المخاطر التي تهددهم.