مع ثورة الاتصال الحديثة أصبح من الصعب التحكم في نوعية الأخبار التي تصل إلى المجتمعات والأفراد. وقبل ثورة مواقع التواصل كانت الأخبار تصل إلى المواطنين من خلال القنوات الإخبارية والصحف، وبالتالي كان يتم تمحيص تلك الأخبار قبل نشرها لعموم المجتمع. كما أن العمل في المجال الإعلامي والصحفي قديما كان يتم من خلال اختيار المهنيين والمختصين في مجال الإعلام والصحافة، وبالتالي فإن اختيار المعلومات التي يتم إرسالها للمجتمع كانت تتم بعد عملية تمحيص ومراجعة. لكن عملية تدفق المعلومات والأخبار في العصر الحديث تواجه العديد من التحديات، حيث أصبح المتلقي بغض النظر عن مستواه العلمي ومؤهله الاجتماعي عضوا ومشاركا في عملية نشر الأخبار وتدفقها بين فئات المجتمع. في العصر الحديث فإن معظم أفراد المجتمع لديهم حسابات في وسائل التواصل وكذلك لديهم أدوات اتصال فعالة لنشر الأخبار وتداولها، وبالتالي فإن أفراد المجتمع أصبحوا أعضاء فاعلين في نشر المعلومات والأخبار والمشاركة في بناء المجتمع من خلال تغذيته بالأخبار الإيجابية أو السلبية. وعليه فإن كثيرًا من الدول قد تنبهت لهذا الخطر القادم وعملت على تثقيف المواطنين بطرق معرفتهم بالأخبار الصحيحة والزائفة واختيار المناسب منها لتداوله ومشاركته مع الآخرين. فلقد تم إنشاء مواقع لمكافحة الشائعات والحد من انتشارها، كما تم تسنين قانون الجرائم الإلكترونية والذي قد يحد من تداول الأخبار المزيفة ويمنع من إحداث البلبلة في المجتمع. إن مصطلح (التربية الإعلامية) هو مصطلح حديث يهدف إلى جعل المواطنين فاعلين في صناعة الأخبار التي تزيد من قوة مجتمعهم وتحميه من حمى الشائعات والاضطرابات. إن بناء المجتمع المعرفي لا يتأكد إلا من خلال تطوير إمكانات المواطنين ليصبحوا قادرين على تقييم الأخبار والحكم على مصداقيتها قبل إعادة نشرها ومشاركتها مع الآخرين. إن التأكيد على صحة الأخبار المنقولة لم يعد فقط مهمة الحكومة بل أصبح مهمة المجتمع الإيجابي والفعال لا سيما مع انتشار الأخبار المغلوطة والشائعات الزائفة ومنشورات الأعداء والخونة. في المؤتمر الأخير للمنتدى الاقتصادي العالمي تم مناقشة سبل التصدي للأخبار الزائفة وتم إطلاق مصطلح (النار الرقمية) عليها ويرى جميع المشاركين أن تلك الأخبار أصبحت تحاصر كل المجتمعات وتشكل تهديدا على الحياة العامة بل إنها اخترقت نزاهة الانتخابات في المجتمعات الغربية. إن الخوف من هذه النار يحتم على الدول أن تعمل على تطوير قدرات المواطنين على تقييم الأخبار قبل تداولها، وأن تساعدهم في تمحيص حقيقة الأخبار، وأن تسن التشريعات والأخلاقيات والشروط لنشر وتداول مثل هذه الأخبار. إن معيار حماية المجتمع وحصانته ضد الأخبار الزائفة هو مدى المصداقية في تلك الأخبار التي يتم تداولها في وسائل التواصل من خلال الشبكة الإلكترونية بين أفراد المجتمع. وأخيرًا لقد حان الوقت لكل مواطن أن يعلم أن نشر الأخبار والمعلومات الصادقة هو واجب أخلاقي يؤكد مساهمة ذلك الفرد في بناء مجتمعه وحماية مستقبله.