الزكاة حق مفروض للفقراء في أموال الأغنياء، وليست هي بصدقة، بل إنها سميت «صدقة»، لأن صدق المرء في دينه يظهر بأدائها حق واجب الأداء، حيث عبر عنها بالحق في آية من سورة المعارج، إذ قال الله تعالى «والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم»، فالمراد بالحق هنا هو الزكاة بدليل وصفه بمعلوم، لأن مقدار الزكاة الذي يؤخذ من أموال الأغنياء مقدر ومعلوم كما هو مذكور في كتب الفقه الإسلامي. وإذا كان للفقراء حق في أموال الأغنياء أفلا يكون هذا منطبقا على مبدأ الاشتراكية تمام الانطباق؟.

ثم إن الإسلام لم يجعل هذا الحق للمعوزين من الفقراء لمجرد كونهم فقراء، كلا، بل هم بحالاتهم في الفقر مختلفون متفاوتون، فمنهم العاجز الضعيف، ومنهم القوي المكتسب، وكان رسول الله يعطي الأول ويمنع الثاني، حيث قيل في «زاد المعاد»: وكان من هدي رسول الله إنه إذا علم من الرجل أنه من أهل الزكاة أعطاه، وإن سأله أحد من أهل الزكاة، ولم يعرف حاله، أعطاه أيضا، ولكن بعد أن يخبره بأنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب. فمن هذا نتعلم أن الشرع الإسلامي لا يعتبر للمرء حقا في العيش إلا من عمله وكسبه، فالزكاة إنما هي للعاجز الضعيف لا للقوي المكتسب، ومما يدل على أن أموال الزكاة ليست في جبايتها كالضرائب التي تجبيها الحكومة، لتجمعها في خزانتها، بل هي تجبى لتفرق وتوزع على الفقراء في محلها. وما ذكره الرواة أن رسول الله كان يفرق الزكاة على المستحقين الذين في بلد المال، وما فضل عنهم منها حمل إليه وفرقه هو. وذكروا أيضا أنه أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن، وأمره بأخذ الصدقة من أهلها وتفريقها على فقرائهم، ولم يأمره بحملها إليه.

إن وجوب هذا الحق على الأغنياء يستند إلى أمرين: أحدهما التعاون المقضي به عليهم بحكم الاجتماع الذي ورد الأمر به في كتاب الله «وتعاونوا على البر والتقوى»، فإنهم يعيشون مجتمعين مع الفقراء، مختلطين بهم، بحيث تتألف من الجميع زمرة اجتماعية لحياة كل فرد منها صلة بحياة الآخر، شاء أو أبي، ولا ريب أن كل زمرة اجتماعية من الناس تكون بمثابة بنيان واحد، وكل فرد منها يكون بمثابة حجر في ذلك البنيان. فكما أن البنيان يشد بعضه بعضا، كذلك الذين يعيشون في مجتمع واحد يجب أن يشد بعضهم بعضا بالتعاون، ولولا التعاون لما بقي للاجتماع معنى.


والأمر الثاني أن الفقراء هم الأكثرون في كل زمرة اجتماعية، وهم أرباب العرف وأصحاب الكد والعمل، فهم في الحقيقة هم المنتجون لكل ما في يدي الناس، وليس من الحق ولا من المحرمة والإنصاف أن يستأثر عليهم بأموالهم، ومن ثم صار لهم حق في أموال الأغنياء، وهذا هو مبدأ الزكاة، وهو منطبق على مبدأ الاشتراكية كل الانطباق.

قد يكون الكنز اسما للمال المحرز في وعاء أو للمال المدفون في الأرض. غير أن المراد به هنا معناه المصدري، أي جمع المال وادخاره، فإن ذلك حرام في الاسم. إن كنز المال شيء والزكاة شيء آخر، فالأول منهي عنه والثاني مأمور به، ونسخ المنهي عنه أنه يكون بالإباحة، والزكاة التي هي إعطاء المال لا تتضمن إباحة كثيره، أي جمعه وادخاره، فكيف تكون ناسخة لها.

كل ما ذكرناه لك فيه تقدم يريك بوضوح أن دين الإسلام بعيد كل البعد عن «الرأسمالية» الجشعاء الظالمة المستبدة بنعم الله التي جعلها مشاعة بين خلقه.

1943*

** كاتب وشاعر عراقي «1875 - 1945»