لهجة العوام في الأسماء الممدودة

إن قصر الممدود جائز في العربية الفصحى، وواجب في كلام العامة. فإن الهمزة معدومة في كلامهم، لا توجد إلا في أوائل الكلمات؛ فتسمعهم يقولون في رأس راس، وفي جمعه روس؛ وكذلك الفأس يقولون فيها فاس وفوس؛ ويقولون في مأمور مامور؛ وفي مأخوذ ماخوذ؛ وفي مؤمن مومن. والأسماء الممدودة لا ينطقون بها إلا مقصورة. ثم إنهم بعد قصرها، أي بعد حذف همزتها، يسقطون منها حرف المد أيضاً لفظاً، مكتفين عنه بما قبله من الفتحة الدالة عليه. ولهجتهم في مثل هذه الأسماء الممدودة بعد قصرها على الوجه المذكور هي أن يجعلوا أولها مكسوراً؛ فيقولوا في سماء سما (الألف تكتب ولا تلفظ) وفي رجاء رجا، وفي شفاء شفا، وفي جفاء جفا، وفي شقاء شقا وفي مساء مسا، وفي شراء شرا، وفي غراء غرا. كل ذلك بالقصر والكسر.

إلا في هواء وعطاء فيفتحونهما ويقولون فيهما هوا وعطا، وهذا أي الكسر خاص بالأسماء الثلاثية أما غير الثلاثية فيقصرونها فقط ولا يكسرونها فيقولون في حلفاء حلفا (الألف تكتب ولا تلفظ) وفي طرفاء طرفا، وفي علياء عليا. وكذلك يفعلون في ألف التأنيث الممدودة، أي يكتفون فيها بالقصر دون الكسر، فيقولون في حمراء حمرا (الألف تكتب ولا تلفظ) وفي شقراء شقرا، وفي بيضاء بيضا. وفي سوداء سودا. وفي جرباء جربا، وفي عرجاء عرجا إلى غير ذلك من الصفات التي على فعلا.. وإذا كانت الهمزة في وسط الكلمة وكانت مكسورة قلبوها ياء، كما يفعلون ذلك في اسم الفاعل من الأجوف فيقولون في قائل كايل، وفي بائع بايع، وفي خائف خايف. وكذلك يفعلون في همزة الجموع التي هي على فعائل كعجايب وغرايب وصنايع وغير ذلك.


في اللغة العامية ست حركات: ثلاث منها مشتركة بينها وبين اللغة الفصحى وهي الضمة، والفتحة، والكسرة؛ وثلاث خاصة بها وهي الفتحة المقبوضة؛ والفتحة المبسوطة، والكسرة الضئيلة.

لا يوجد التنوين في كلام العلامة، لأنه من خواص الأسماء المعربة والأعراب ساقط في كلامهم؛ فلزم أن يكون التنوين ساقطاً أيضا إلا أنه قد يوجد كلامهم نادراً. وذلك انهمر بما كسروا آخر الاسم النكرة ونونوه كما في قولهم «جوز (بتنوين الكسر) معدود بجراب (بتنوين الكسر) مشدود»، وكقول بعضهم إذا سلم: سلام (بتنوين الكسر) عليكم وكقولهم وهو من أمثالهم: «كحيلة بتنوين الكسر) جسبت وردت، فالتنوين إنما يوجد في كلامهم نادراً مقترنا بالكسرة فقط ولا يدخل وقوعه تحت ضابط بل هو من قبيل السماعي؛ لأن الغالب المطرد في كلامهم هو أن تكون أواخر الكلم ساكنة خالية من حركات الإعراب».

إسقاطهم الألف من اللفظ

كل كلمة انتهت بالألف أسقطوا ألفها من اللفظ، اكتفاء عنها بالفتحة التي قبلها سواء كانت تلك الكلمة اسما كالعصا أو فعلاً كمشي أو حرفاً كعلى فيقولون مثلاً مشى على رجله. وضربني بالعصا. فالأسماء المقصورة كلها يجرون فيها على هذا الوجه مثل: موسى وعيسى وحبلى ومصطفى وغير ذلك. وكذلك يفعلون في الأسماء الممدودة فإنهم يحذفون الهمزة منها كما تقدم بيانه ويسقطون ألفها أيضا من اللفظ مثل سما ورجا وهوا، ويسقطون الألف أيضاً من ضمير المؤنث الغائبة فيقولون مثلاً (شفتها ثيابها) ومن حرف النداء أيضا في الأغلب. فيقولون يا محمد يا جاسم إلا مع لفظ الجلالة فلا يسقطونها بل يقولون يا الله.

وكذلك في الأفعال يسقطون الألف من أواخرها اكتفاء عنها بالفتحة التي قبلها إلا إذا اتصل بها ضمير المفعول، فإنهم عندئذ يثبتونها في اللفظ فيقولون مثلا (رماني الزمان) (وعلاك ربك على عدوك) و(هالحجاية منو حجاها)، وأما الألف في (جا) الفعل الماضي فيثبتونها. لأنها ليست في آخر الفعل. بل في وسطه، لأن لام الفعل هو الهمزة التي يسقطونها في كلامهم كما ذكرنا في الفصول المتقدمة، ومنهم من يسقطها أيضا فيقول (ج) فيبقى الفعل حرفاً واحداً كما ترى. ومنهم من يقدمها على الجيم فيقول (إج) فتصير همزة. غير أن الغالب في كلامهم هو (جا).

1913*

* كاتب وشاعر عراقي «1875 - 1945»