من 85 دولة يجتمع 150 عالماً في مهبط الوحي وأرض الرسالة، مكة المكرمة، في مؤتمر دولي حافل بموافقة ورعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله، وتنظيم وزارة الشؤون الإسلامية تحت شعار «تواصل وتكامل»، في مواصلة لجهود المملكة في تعزيز قيم التسامح والاعتدال، ومحاربة الغلو والتطرف والانحلال، وهو حلقة في سلسلة طويلة من جهود السعودية في خدمة الإسلام والمسلمين، وهي التي كانت ولا تزال موطن احتفاء أهل العلم، والخير والفضل.

يأتي المؤتمر في توقيت حساس بعد أن لمس المسلمون مشكلات الزج باسم العلم والعلماء في صراعات المنطقة العربية، حتى إن بعض الهيئات يقودها أقوام لا علاقة لهم بالعلم، وإنما ينهمكون بالتوجيه السياسي ويزينون كلامهم ببعض الآيات والأحاديث منزوعة السياق، وما ليس فيه دلالة على ما يقولون، فزادوا بذلك المحتار حيرة، والمتعصب تعصباً، بدلاً من أن يكونوا دعاة توحيد لا تفريق، ورعاة اعتدال لا تطرف، وقد علم توجه هذه الهيئات المتنوعة، فالقائمون عليها من جماعة (الإخوان المسلمين) الذين أزعجهم الاستقرار الذي قادته السعودية في المنطقة بخطواتها السياسية، وتحركاتها الدبلوماسية الحثيثة.

وتوحيداً لجهود العلماء، جاء هذا المؤتمر بما يظهر حرص القيادة السعودية ممثلة بخادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، حفظهما الله، على رعاية التبصير بأحكام الإسلام، ومعرفة أقدار أهل العلم والفضل، وقد لمس الناس ما للوزير الدكتور عبداللطيف آل الشيخ، حفظه الله، من جهود من قديم الزمان في محاربة التطرف وتجفيف منابعه الفكرية، التي ارتكزت على تأويل النصوص حد التحريف! من دون الرجوع إلى ما قرره أهل العلم، ومعرفة مواضع الأحكام، ومراتبها، وطرق تنزيلها، واستنباطها، فلا غرابة أن نظمت وزارة الشؤون الإسلامية هذا المؤتمر وأشرفت عليه، وهي الحاضرة بقوة في نشاطها، وعملها الدائم في نشر رسالة الإسلام، ومفاهيمه الوسطية المتزنة.


وكان من أهداف المؤتمر تعزيز الروابط بين إدارات الشؤون الإسلامية وتحقيق التكامل فيما بينها، بما يحقق التعاون والتناصح بين هذه الإدارات، ويجعل كفاءتها أعلى في محاصرة الأفكار الضالة، وهو باب عظيم من تحمل المسؤولية، إذ إن تلك الجماعات قد سعت لتظهر في تكتلات تحاكي أهل العلم بالاسم لا الرسم، ولا يمكن إغفال حرصها المستميت على العودة إلى المشهد وسعيها لكي لا يسدل الستار عليها، بعد الكوارث التي نتجت عن أفكارها، وتحركاتها، فيكون في التعاون بين إدارات الشؤون الإسلامية تضييق للخناق على المتطرفين، وتحقيق أكبر أثر لأهداف هذا المؤتمر، فتتعاون الإدارات، على تطويق الانحراف قبل أن يتسع على الراقع، وتسلط جهودها على التكامل فيما بينها.

ومن بين أهداف لهذا المؤتمر تحقيق مبادئ الوسطية والاعتدال وتعزيز قيم التسامح والتعايش بين الشعوب، لتضحى ثقافة التعايش والاعتدال جزءاً حياً في المجتمعات، وهو الذي يأمرنا به ديننا الحنيف، وفيه يظهر أهمية دور العلماء في رفع مستوى الوعي العام لتحقيق هذا، فإن الرسالة الدينية الشريفة أكدت الحرص على هذا الهدف، وحفظت الحقوق، وحرمت الدماء المعصومة، والناظر في حال جماعات التطرف يرى ما في أعمالها من منافاة لتعاليم الإسلام ودعوته، فقد استبدلوا بنعمة الإخوة في الدين، التكفير والتحريض بين الناس، وقلبوا نعمة السلم والاستقرار إلى الحث على التنازع، وإثارة الفتن، وما إن يعلو صوت العلماء الذين هم على نور من ربهم حتى يتلاشى ظلام المتطرفين، وما يأتمرون به.

ومن أهداف المؤتمر إلى جانب مكافحة الإرهاب والتطرف، الوقوف على جهود إدارات الشؤون الإسلامية في حماية المجتمعات من الإلحاد والانحلال، ومن يسعى لجر المجتمعات الإسلامية إلى هذا المستنقع يجد أنهم يخدمون أهداف جماعات الإرهاب، فالتطرف والانحلال يقتاتان على بعضهما، وإن أظهرا العداوة والمنافرة، فذاك يحمل الدين ما لا يحتمله من الدعوة إلى العنف، وذلك يحمل الدين مسؤولية جماعات العنف، واحد يريد مجتمعاً مفكك الأواصر متناحراً في ما بينه، وآخر يسعى إلى هدم الأسرة، وقيم التراحم بين الناس.

إنها مسؤولية عظيمة، والسعودية أهل لهذه القيادة، يعرف فضلها أهل الفضل، ولذا تسابق المشاركون من العلماء على الثناء على القيادة السعودية، ورعايتها الكريمة لهذا المؤتمر، وقد تنوعت محاوره وفق حاجات الأمة الإسلامية، بما يكون له من أثر بالغ في تحقيق مقاصد الإسلام، ورسالته.