تداول متابعو مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسبوعين الماضيين مقطعي فيديو قصيرين، كان أحدهما لشاب من نجران حفز جده الذي كان يتابع حفلا من على كرسيه للوقوف ومشاركته رقصة «السعب» النجراني، فيما كان الثاني لاحتفال شارك به جميع منسوبي ثانوية ابن عثيمين إدارة ومعلمين وطلابًا أقيم لوداع عامل النظافة الآسيوي بعد سنين عدة قضاها في أروقة المدرسة، فقرر الجميع الاحتفاء به وتكريمه.

وصلت مشاهدات المقطعين إلى مئات الآلاف، وحظيا بكثير من الإعجاب والتعاطف، وهو ما فسره كثيرون بأن ذلك يعود إلى اللمسات الإنسانية التي كرسها المقطعان تحت عنوان عريض هو «جبر الخواطر»، وهي عبادة، وخلق إسلامي عظيم، قال عنه سفيان الثوري «ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم».

وما يعطي هذا المصطلح جمالاً أن الجبر كلمة مأخوذة من أسماء الله الحسنى وهو «الجبار» وهذا الاسم بمعناه الرائع يُطمئن القلب ويريح النفس.


سمة جميلة

يقول مدير ثانوية محمد بن عثيمين في نجران علي آل سوار «جبر الخاطر سمة جميلة أوصانا بها وحثنا عليها نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وكم هو رائع أن تكون مبادرا في جبر خاطر كل من تستطيع جبر خاطره ممن حولك طالما تستطيع ذلك، سواء بتفريج كربة أو تقديم هدية أو مشاركة فرحة أو مناسبة أو زيارة مريض أو حتى ابتسامة وكلمة جميلة».

وأضاف «فيما يخص ما قمنا به نحن منسوبي المدرسة تجاه عامل النظافة فيها، فذلك لم يكن مخططا له على الإطلاق، بل كانت بادرة جميلة عرضها عدد من الطلاب، ولم أمانع خلال الحفل الختامي لأحد الأنشطة الطلابية، كون العامل سيغادر إلى بلاده بشكل نهائي عقب سنين عدة قضاها في المدرسة كان خلالها مثالا للإخلاص، فقمنا بتكريمه وتقديم الهدايا له من الجميع، ما كان له أثر كبير في نفسه، وقد حرصت لاحقا على إيصاله للمطار وتوديعه كما أودع أحد إخواني».

مساعدة في التغيير

يوضح الدكتور حيدر قناص، أن «جبر الخواطر لا يطال فقط من تلقى الجبر، وإنما من بادر إليه أيضا، وهو قد يكون بكلمة أو رسالة أو موقف، وهو يساعد في تغيير حياة إنسان ويمنحه الأمل، ومن يمتلك مروءة جبر الخواطر هو صاحب عقلية الوفرة أي الشخص المؤمن أن هناك فرصًا تكفي الجميع، وخيرًا يكفي الجميع، فيبادر بمد الجسور لجبر الكسور وتضميد الجراح لأنه يعرف أن عمله هذا كتأثير حجر الدومينو ينتقل منه للآخر ومن ثم لآخر وهكذا، وهو تفاعل استمراري يطرأ عندما يحدث تغيير (ولو بسيط) تغيير مشابه بمحاذاته، وهكذا على التناوب».

وأضاف «من يجبر الخاطر متيقن أن تأثيره راجع عليه أولا لا محالة، حتى وإن يم يكن في القريب العاجل، وجبر الخواطر موضوع ممتع، وهو نعمة لمن تحلى به».

أرقى المشاعر

وصفت غالية السويدي مديرة إدارة رعاية الموهوبات في منطقة نجران ما حدث من جبر خاطر للجد العجوز وعامل المدرسة بأنه بعض أرقى المشاعر الإنسانية لأن أجمل هذه المشاعر هو العطاء بلا انتظار مردود، ناصحة بجبر الخواطر، ومراعاة المشاعر، وانتقاء الكلمات المحفزة والتلطف بالأفعال.

المشاورة جبر

بدوره، يوضح الشيخ مهدي محمد أن جبر الخواطر هو الإحسان إلى الآخر، وقال «جسَّد النبي صلى الله عليه وسلم هذه العبادة في سلوكه، فكان يجبر بخاطر الأرامل واليتامى والأطفال والمساكين، ويتفقد أحوال الرعية، ليجبر بخاطرهم، ويخفف عليهم الأثقال والهموم، وكان يحرص على استشارة صحابته في كثير من الأمور (والمشاورة هنا تعني جبر الخواطر)، والنبي صلى الله عليه وسلم، لا يحتاج لأن يشاور أحدًا منهم، ولكن أمره الله بالمشورة، جبرًا لخاطرهم، وامتدت رحمته صلى الله عليه وسلم أنه كان جابرًا لخاطر كل من حوله، حتى المخطئ منهم، حيث كان يقول عنه «ما بال أقوام..»، وليتنا نحرص على هذه العبادة بأن نجعل التحية والسلام والإكرام شعارنا، وأن يكون التراحم هو العلاقة السائدة بيننا».

سمو النفس

تشدد المعلمة فطوم حسن الكستبان على أن جبر الخواطر خلق إسلامي عظيم يدل على سمو النفس وعظمة قلب وسلامة الصدر ورجاحة العقل.