وإنما دعاه إلى هذا ما رآه كل من هؤلاء في تأسيس علم الأخلاق على قواعد هي أدلة إثبات بأن هنالك صانعا لهذا العالم، فأفلاطون أثبت أن لهذه العوالم ذاتا قدسية، منها صدرت العوالم المعنوية، والمثل التي سماها الناس «أفلاطونية».
وعلى نهج هذا المثل، وبواسطتها، صدر هذا العالم المشاهد، والعالم العقلي ثابت بثبات تلك الذات المقدسة، ونسبة عيوننا إلى ضوء الشمس -إذ ترى آثارها- كنسبة عقولنا إلى الهداية الواصلة من تلك الذات القدسية، لندرك آثارها الدائمة والحقائق الثابتة كالجمال والعدل والصدق والشرف، وكل ما هو بهي عجيب منزه عن المادة. وقد عقب أرسطو على أفلاطون بأن المعاني الكلية التي سميت مثلا لا وجود لها إلا في أذهاننا، وما في أذهاننا ناجم مما رأيناه في المادة والصورة، وما في المادة والصورة من المعاني تجعله عقولنا كليات كالإنسان والحيوان والجماد والشجر وهكذا، وهذه أمور تصورتها عقولنا، لا أمور لها وجود في أنفسها.
أما «كانت»، فإنه أثبت الذات المقدسة بقانون الأخلاق، فالإنسان عليه أن يكون نافعا للناس، بيد أن الجزاء على محاسن الأخلاق وفضائل الأعمال قلما يتم في هذه الحياة.
إذن لا بد من بقاء الروح ودوامها، ولا بد من ذات قدسية تجزي الروح على أفعالها الجميلة. ولا نريد هنا أن نناقش منطق «أرسطو»، ولا مثل «أفلاطون»، ولا نظرية «كانت»، وحسبي أن يشترك معي القراء في الإعجاب بهؤلاء وتقديرهم، لأنهم أقاموا دعائم «علم الأخلاق» على أساس وجود الحقيقة الإلهية، وإثبات الخالق الأعظم، خالق هذا الكون الكبير!، وما أعظمه من أساس.
1957*
* ناقد وكاتب سعودي «1920 - 2011»