لم تكن جملة عابرة.. كانت جملةً صادقةً، ومن أطلقها واحد من المجانين الذين يعيشون أو يفكرون خارج الصندوق.

ليس مجنونًا إلا في شعره وربما في طريقة إلقائه، ولنقل: رسَمَ طريقةً تخصه، بالتأكيد هو الشاعر العربي الفلسطيني (محمود درويش) والذي يعني نبش مشاعرنا الدفينة تجاه أمهاتنا في زمن بعيد، حيث كانت (الأم) هي أيقونة البيت لنا جميعًا، كانت رائحتها تحفر في أذهاننا، رائحة طبخها تمنحنا طعما لا يماثله طبخ الأخريات، لا يمكن أن يوجد الحنين إلا في حالة الفقد والابتعاد. حين رحلت أخذت كل شيء وتركت لنا ذكرياتها ورائحتها، والتي تسربت في دمائنا، كأن ذلك هو الذي يفسر معنى الوراثة الحقيقي.

لم تكن أمي هيلة بنت أحمد بمثل ثقافة أبي، لكنها تعلمت منه الكثير، تتمتع بصبر خارق، وربما في بعض الأحيان خانق، لكنها لا تعترض بل تتجه إلى منقذتها الوحيدة (الدموع)، والتي يمكن إخفاؤها والعودة بوجه هادئ، لكنه يحمل صبرا جميلا.


هذه تجربتي الخاصة جدًا، حينما أذهب إلى مطعم من آلاف المطاعم الجديدة والتي تسبقها دعاية كبيرة - كي تكون الفاتورة أكبر - تذكرت المطاعم الشعبية في كل مدينة في وطننا، وتلك التي تستمتع فيها بالطعم والنظافة لكنه طعم زمان.

زمان أمهاتنا، وتذكرت محمود درويش، وكأنه يلتقط زمنّا ومكانا في لحظة الدهشة والصدق، والذي اختارَ لحظة زمنيةً فارطة لتبقى تحتفظ بصدقها المذهل.