شعرت بالتعجب أن يحزن لوفاة عالم، فصديقي ليس من النوع الذي يهتم بالعلماء، ولم يتحدث معي في أي شأن علمي أو ثقافي من قبل، لا يهتم بشيء سوى بوالديه ومزرعة والدته الصغيره، ومحل المشروبات الباردة الصغير، لديه دراجة كهربائية، ويحلم بشراء سيارة صغيرة تقيه الأمطار المستمرة طوال العام. ولكن لأن الثقافة الصينية تقدر العلماء فقد تشرب ذلك من الإعلام والمدرسة، وحتى مواقع التواصل الاجتماعي الصينية.
طلبت منه أن يرسل لي اسم العالم، وذهبت أبحث عن هذا العالم، الذي حزن صديقي لوفاته، فوجدته عالمًا قالت عنه الأمم المتحدة في نعيه:«العالم يوان لينج قدم مساهمات بارزة في تعزيز الأمن الغذائي، والقضاء على الفقر وتحسين معيشة الناس، وشارك بسخاء بعلمه بتكنولوجيا الأرز الهجين».
لم يتقاعد هذا العالم مبكرا ولم يتوقف عن العمل رغم العقود التسعة، التي أحنت ظهره، بل استمر في تطوير علمه من الستينيات الميلادية حتى وفاته2021، مساهما في إنتاج الأرز بطريقة اخترعها في العام 1972، بعد بحوث بدأها في الستينيات، وساعد بلاده والعديد من الدول في تطبيق تكنولوجيا الأرز الهجين، ونمت محاصيلهم من الأرز من 3 أطنان إلى 10.8 طن لكل 10.000 متر مربع، ونشر هذه التكنولوجيا الزراعية في 40 دولة حول العالم. ولم يتوقف عند ذلك بل نجح في العام 2012 بإنتاج الأرز باستخدام مياه البحار المالحة، وهذا يعني أنه أصبح بوسع دولة مثل السعودية، التي تتمتع بمياه الخليج العربي ومياه البحرالأحمر أن تقوم بزراعة الأرز، كما فعلتها دبي كتجربة على أراضيها. كلما أقرأ تقريرا عن إنجازات هذا العالم، وشغفه في هندسة زراعة الأرز، أزداد حزنا على وفاته، ولكن أكثر ما أحزنني ليس خبر وفاته، فقد مات بعد أن خدم البشرية وخلف علمه لطلابه، الذين يستمرون في تطوير البحوث على منجزاته العلمية. ما أحزنني هو تهكم البعض من الشباب العربي في مواقع التواصل الاجتماعي على منجزاته، يسخرون منها ويصفونها بالمنتج الصيني المقلد، وأنها سبب السمنة وانتفاخ الكروش، تعليقات ساذجة ومحزنة جدا، تعكس واقع بعض شبابنا الذي لا يهتم بالعلماء ولا بمنجزاتهم، بقدر اهتمامهم بالمحتوى الفارغ لمشاهير التيك توك وسناب شات.