في حياتنا كأفراد ومجتمعات فإننا نتكيف مع الحاجة إلى وجود الجواب الكافي والصحيح لكل ما يشوبه الغموض حولنا. ولأن العقل البشري ينظر دائما إلى أي غموض على أنه خطورة أو تهديد فمن الطبيعي أن يصيبنا التوتر والخوف والقلق، والذي قد يكون سببا مباشرا في عدم القدرة على التفكير بشكل سليم لإدارة ذلك الغموض ولمواجهة الأزمات. إن الجائحة العالمية والتي دخلت الآن عامها الثاني كانت تجربة مفيدة لمن أراد الاستفادة منها في تحديد عوامل النجاح والتفوق في مواجهة الأزمات الكبيرة. إن إدارة الأزمات تحتم علينا الكثير من الخيارات والتنازلات والمفاضلات فنضحي بأشياء مهمة من أجل أشياء أهم. ولكن إذا وقفنا موقف المتفرج ولم نقم بخطوات استباقية فقد يكون الثمن غاليا وستكون العواقب وخيمة. إن أزمة كورونا أوضحت بشكل كبير كيفية استجابة الدول وقدرتها على إدارة الأزمات.

على سبيل المثال التجربة الصينية والهندية في مواجهة كورونا، فالصين والتي كانت منطلق الوباء كان دورها صعبا وقاسيا لتسيطر على الوباء في زمن قياسي، ومن أجل ذلك استخدمت كل الوسائل التكنولوجية وفرضت حصارا قويا على المدينة المنكوبة واستطاعت بفضل تلك الإجراءات السيطرة على الوباء، بل استطاعت إنتاج لقاح فاعل كما هو حال الدول الكبيرة في مجال الأدوية واللقاحات. بينما نجد الهند الجار اللدود للصين والمنافس الاقتصادي الشرس والأداة الغربية التي يستخدمها الغرب لمواجهة المارد الأصفر، لم تستطع إدارة أزمة الوباء بشكل فاعل وتزايد عدد المصابين والوفيات ليتجاوز كل الإمكانات المتاحة وانهار النظام الصحي. أزمة كورونا أوضحت للعالم أن المعايير التقليدية للتعامل مع الأزمات والكوارث والأزمات لم تعد نافعة وأنه يجب استخدام أساليب أكثر تطورا لمواجهة المستقبل الذي يحمل في طياته الكثير من التحديات والأزمات المشابهة. لعل الهند راهنت على الغرب أن يكون معينا لها في أزمتها، ولكن ذلك الغرب لم يكن قادرا في أحيان كثيرة على مساعدة نفسه ومجتمعاته. لقد كان الوباء إنذارا لجميع الدول لاستخدام مواردها وأفكارها لمواجهة وإدارة الأزمات وهو أمر نجحت فيه دول كثيرة وسقطت أخرى. نجحت الصين في وقت قياسي ونجحت دول الخليج وبالأخص المملكة العربية السعودية في إدارة الأزمة وفي الحفاظ على وضع اقتصادي مستقر. كما نجحت تايوان واليابان واليونان وغيرها من الدول.

دائما ما تنتهي الأزمات بنهايات مؤلمة، وهذا يحتم الإسراع باتخاذ قرارات مدروسة وسريعة وفي الوقت المناسب، وهذا يتطلب ألا يكون دورنا إدارة الأزمة وقت حدوثها وإنما الانتقال إلى مرحلة التفكير والاستعداد لمواجهتها. في أزمة كورونا اكتشف العالم أن أنظمته الإدارية والتعليمية والصحية لم تكن مستعدة بشكل جيد لمواجهة هذا الخطر، بل إن البنية التحتية للحلول البديلة كالتعليم والعمل عن بعد والصحة الافتراضية لم تكن مؤهلة بشكل جيد. وأخيرا ربما ما زالت بعض المجتمعات يغلب عليها مبدأ الانغماس في منطقة الراحة فلا تضطر إلى التفكير في تغيير أساليب حياتها التقليدية، وإلى العمل على أساليب المحاكاة لكل الظروف والأزمات التي قد تواجه تلك المجتمعات وتشكل خطرا عليها.