هذا القرار وتجاوب المواطنين الصينيين الإيجابي معه أسهم كثيرا في الحد من انتشار الفيروس من ووهان إلى الصين ومن ثم إلى العالم، بل حد من نسبة الإصابة خارج ووهان بشكل متسارع وإيجابي، فخلال الـ6 الأيام الأخيرة، يوم 3 فبراير كان عدد الحالات المصابة خارج ووهان 890 شخصا، وفي الرابع من فبراير انخفض إلى 731 شخصا، وفي 5 فبراير 707 أشخاص، وفي 6 فبراير 696 شخصا، وفي 7 فبراير 558 شخصا، وفي 8 فبراير 509 أشخاص، وفي 9 فبراير 444 شخصا مصابا، أي انخفض عدد المصابين خارج ووهان بنسبة 50% خلال ستة أيام فقط، وارتفع إجمالي حالات الشفاء من الفيروس إلى 4005 حالات، مقابل 1017 حالة من الوفيات، مما يدل على نجاح قرار إغلاق مدينة ووهان، ومدى تأثير ذلك إيجابيا في الحد من انتشار الفيروس.
عندما أغلقت ووهان كان يسكن بها 10 من زملائي المبتعثين في جامعات تلك المدينة، حاولوا الخروج بمجرد سماعهم خبر إغلاق المدينة، ولكن كان المطار ومحطات القطار مغلقة، وسائل المواصلات مثل المترو وسيارات الأجرة وحافلات النقل العام معلقة ضمن الإجراءات التي قامت بها الجهات المختصة في الصين للحد من انتشار الفيروس، اتصلوا بالسفارة السعودية والملحقية الثقافية في بكين طلبوا منهم مساعدتهم على مغادرة المدينة، وبالفعل هذا ما تم، بعد جهود كبيرة قامت بها السفارة بالتنسيق مع الحكومة الصينية التي نجحت بدعم من خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده، وسمو وزير الخارجية الذين سهلوا كل الموارد وتوفير طائرة خاصة، نقلتهم من ووهان إلى الرياض مباشرة. تنسيق بين السفارة السعودية والحكومة الصينية في إجلاء السعوديين من ووهان، وإصدار تذاكر سفر للعديد من المبتعثين في المدن الأخرى للعودة إلى السعودية من قبل الملحقية الثقافية، رغم أنها في إجازة رسمية، ولكن للظروف الطارئة باشر الملحق الثقافي الدكتور فهد الشريف وفريقه العمل، وما زالوا حتى التأكد من سفر آخر طالب.
يقول المثل العربي: «الصديق وقت الضيق»، وهذا ما أكده الاتصال الهاتفي من خادم الحرمين الشريفين بالرئيس الصيني، أبدى فيه دعمه الكبير للحكومة الصينية، وثقته بقدرة الصين على اجتياز هذه المحنة، وأمر -حفظه الله ورعاه- بمساعدات للصين في مجال مكافحة الفيروس في بادرة عظيمة تؤكد متانة الصداقة بين البلدين.
قبل الابتعاث الدراسي في الصين قرأت في تاريخهم كثيرا من المحن التي مرت بها الصين، كيف قاوم الشعب الغزو الياباني عام 1931 الذي ذهب ضحيته الملايين من الشعب الصيني، ولكنهم صمدوا في وجه العدوان حتى انتصروا في النهاية رغم كل الخسائر، وكيف واجه هذا الشعب مجاعة الصين الكبرى عام 1959، وكيف قاوموا هذه الأزمة. وعندما انتقلت للدراسة في إحدى الجامعات الصينية وسط الصين عام 2015 وحتى الآن، سنحت لي الفرصة لمعايشة هذا الشعب، وتعلم لغتهم ومعرفة طباعهم وثقافتهم وطريقة تفكيرهم ورؤية منجزاتهم الحضارية على أرض الواقع، كيف استطاعوا خلال الـ40 عاما الماضية التحول من دولة معدمة من أي موارد طبيعية، إلى ثاني أقوى اقتصاد في العالم، كيف تحولت من دولة زراعية فقيرة، إلى أكبر دولة صناعية في التاريخ، كيف تعاون شعبها مع رؤية قائدهم لتحقيق منجزات عظيمة في الصناعة والعمارة والطرق وغيرها، أبهرت العالم وجعلت من التجربة الصينية مثالا للنمو الاقتصادي. ومن خلال معايشتي لهذا الشعب، وثقتي في قدراتهم في إدارة الأزمات واستخدام التقنيات الذكية، أجزم أن هذه الأزمة لن تؤثر طويلا في هذا الشعب، ومؤمن بقدرتهم على اجتيازها، لما يملكونه من وعي لأهمية اتباع وسائل الوقاية التي تنشرها الجهات المختصة بمكافحة الفيروس، ومناعتهم ضد الشائعات المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي، والتطور التقني الرقابي للحكومة الذي يحد من انتشار الأخبار والفيديوهات التي تبث الخوف والرعب وسط المجتمع الصيني. أمنياتي الصادقة للشعب الصيني ولأصدقائي في الصين، بأن ينجحوا في القضاء على هذا الفيروس، وأن يتجاوزوا هذه المحنة في وقت قياسي، وأن يثبتوا لكل العالم أن الصين قد تمرض لكنها لا تموت.