لقد تربينا على الطيبة والمروءة والفضيلة والأخلاق النبيلة والحب والوفاء والإخاء وصفاء القلوب والنفوس لكل من عرفناه دون تبعيض أو تنقيص أو امتنان، وتلك سجيتنا التي لا يمكن أن تتعدل أو تتبدل عند تعاملنا مع الآخرين مهما حصل منهم ضدنا من تصرفات غير لائقة، وما قاموا به يمثل أخلاقهم، ويجب ألا تكون لدينا ردة فعل انعكاسا لما قاموا به ضدنا، لأن تلك الأخلاق يجب أن تُقوم لا أن يرد عليها بالمثل. مروءتنا متوارثة أبا عن جد، شربناها مع حليب أمهاتنا، فصلحت النفوس ثم حسنت العشرة ودامت البسمة.

بذلنا الإحسان وصدق اللسان، واحتملنا عثرات الإخوان والأقارب والجيران.

المروءة خلق جليل وأدب رفيع، تميز بها الإنسان عن غيره من المخلوقات. المروءة خُلَّة كريمة وخَصْلَة شريفة، وهي أدب نفساني تحمل الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات. المروءة لذة تفوق كل لذة في هذه الحياة، وهي مما تحتاج إلى صبر ومجاهدة ودقة ملاحظة وسلامة ذوق.


لن أستطيع أن أقف في هذا المقال على كل جوانب المروءة وكل مجالاتها، ولكنني سوف أوجز لأن المروءة مع الله -جل وعلا- بالاستحياء منه حق الحياء، وألا يقابل الإنسان إحسانه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى بالإساءة والكفران والجحود والطغيان، بل يلتزم العبد أوامره، ويجتنب نواهيه، ويخاف منه حق الخوف في تصرفاته وحركاته وسكناته، وألا يراه حيث نهاه، ولا يفتقده حيث أمره.

والمروءة مع النفس بحملها على ما يجمّلها ويزينها وترك ما يدنّسها ويُشينها، أما المروءة مع الخلق فتكون بالصفح عن عثراتهم، وستر عيوبهم، واحتمال أخطائهم، وإعطائهم حقوقهم على اختلاف مكانتهم ومنازلهم، والسعي في قضاء حاجاتهم، وبشاشة الوجه لهم، ولطافة اللسان معهم، وسعة الصدر وسلامة القلب تجاههم.

ما دعاني لكتابة هذا المقال ما نراه الآن في المجتمع، أو عبر وسائل الإعلام المختلفة من تراشق بالكلمات البذيئة، وردود سيئة على كل واردة وشاردة بدون تعقل، ومن يفعل ذلك قد فقد مروءته، ومن أخلَّ بمروءته رضي بالدون، ولم يكرم نفسه مما يشينها.