عبدالله العلويط

مما هو ملاحظ كثرة توزيع مياه الشرب المعدنية رخيصة الثمن في أماكن لا يظن بروادها أنهم عطشى كالمساجد مثلا، ولا شك أن سقيا الماء من وجوه الخير لكن لا بد أن نعرف معناه فليس المراد به كل سقي وإنما سقيه للعطشى، أما من يأخذه تفكها أو بلا حاجة فليس بداخل في هذا الفضل، وقد جاء في رواية أبي داود أنه سقي الماء على ظمأ، والظمأ طول فترة العطش مع شدته.. فهو كإرشاد الشريعة إلى إطعام الطعام، فإن المراد به إطعام الجياع وليس كل طعام، فالحلوى لا تدخل به، وإطعام الأثرياء لا يدخل به، بل إنه قد يتحول إلى تبذير للمال إذا كان الإطعام مبالغا فيه كما هو الحال في الحفلات، فكذلك سقيا الماء؛ فليس كل سقي يشمله الفضل وليس كل شارب له عطشان وقد يصل إلى الإسراف إذا كان يشتريها بكميات كبيرة، وللأسف هناك من يوصي بذلك بعد موته رغم وجود فقراء، والذين هم أشد حاجة من هذا السقي، وبعضهم يشتريه بكميات كبيرة ويوزعه على المنازل التي يوجد بها ماء أصلا، ناهيك عن رمي هذه العلب في الشوارع بعد الانتهاء منها مما يتسبب بتلوث بيئي لأنها قوارير بلاستيكية غير قابلة للتحلل.

الأفضل وضع جهة تباشر توزيع هذه العلب في الأماكن والأوقات الفصلية من السنة التي يتصور فيها العطش، وأن تكون في أماكن الأعمال الميدانية والتنسيق مع الجهات التي تصرح بهذه الأعمال لتحديد مواقعها لهم، وتضبط عمل الجمعيات الخيرية التي توزع هذه المياه. وهذا أفضل للمتصدق نفسه لأنه لن يسقى إلا المحتاج الحقيقي للماء، وتوجيه المساجد بأن يكون وضع المياه من خلال هذه الجهة فقط التي تحدد حجم الحاجة لها، وأن تحصل توعية للعامة بصرفها إلى الفقراء والمحتاجين فهم أولى بها، بل إن إحدى الجمعيات المتخصصة بالسقي ذكرت أن العبوات المصروفة بلغت أكثر من عشرة ملايين عبوة، مع أن قيمة هذه الكمية لو صرفت على الفقراء لسدت حاجة مئات الأسر لعدة أشهر.

نشاهد من يأخذ الماء في هذه الأوقات الشتوية التي لا يتصور فيها عطش، وفي صلاة الجمعة التي يأتي إليها غالب الناس من منازلهم، ما يعني أنه لم يمر بعمل يتسبب بعطشه، وكذلك في رمضان نجدها مع صلاة العشاء وقد أتى الناس من موائد الإفطار المليئة بالأطعمة والأشربة، وهذا كله مناف للغرض الذي من أجله سُنّ سقي الماء، وهو إذهاب العطش، فلا بد من إعادة النظر بهذا التوسع الحاصل.