يتوهم كثيرون أن الدافع وراء نشأة الطائفة الدينية الشهيرة (المعتزلة) هو الدفاع عن عقائد الإسلام ودحض عقائد غير المسلمين، لا سيما اليهود والمسيحيين، ويترتب على هذا الاعتقاد أن الاعتزال نشأ بمعزل عن أي تأثير أجنبي. ومناقشة هذه الفرضية تستدعي دراسة الخلفية الثقافية للمعتزلة. فهم -وفق تصنيف المستشرقين- يمثلون الجانب العقلاني والتنويري في التراث الإسلامي، ويطلق عليهم فلاسفة الإسلام، وحركتهم الفكرية توصف عادة بالعقلانية. لا شك لدينا أن المستشرقين الغربيين يلعبون دورا بارزا في تصنيف المعتزلة في خانة العقلانية والتنويرية، وتقديم خصومهم باعتبارهم رجعيين وغير عقلانيين. وندرك جيدا مدى تأثير تراث الاستشراق في توجيه بوصلة الشخصيات وفرزها وتصنيفها في قوائم، يتشربها القارئ العربي دون الوعي بأبعادها المعقدة. إن الباحثين الغربيين، والمسيحيون منهم على وجه التحديد، وبناءً على تحيزات دينية، مسؤولون عن تصنيف المعتزلة فرقةً عقلانيةً وتنويرية ومناضلة في سبيل نشر الوعي في المجتمع الإسلامي القديم.
نشأ فكر المعتزلة في بيئة متعددة الديانات ويتحدث ساكنوها لغات عدة كالآرامية والسيريانية واليونانية والفارسية والقبطية، ويعتنقون أديانا شتى. ومن الطبيعي أن يتصل الفاتحون المسلمون عن كثب بهذه الأمم، وتبدأ ثقافتهم تأخذ طابعا خاصا وسط مناخ من الجدل والمناظرات مع أبنائها. وكل دين له أتباع يجاهدون في سبيل نشر ملتهم. والتاريخ يعلمنا أن العقائد الدينية المغلوبة لا تندثر هكذا بشكل مفاجئ، بل تبقى في عقول الناس ووجدانهم إلا أنها تتشكل بصورة جديدة داخل سياق الدين الجديد، فهل للمعتزلة عقائد دينية سابقة للإسلام ورثوها من أسلافهم وحاولوا قدر المستطاع جعلها منسجمة وغير متناقضة مع عقائد الدين الإسلامي؟
فكرة «حرية الإرادة الإنسانية» من أهم الأفكار التي طرحها المعتزلة وأسهبوا في تأصيلها ودراستها، وقدموا الحجج المتنوعة للتأكيد على صحتها، وخاضوا مناظرات جدلية ووظفوا كل أساليب الحجاج في سبيل ذلك. حرية الإرادة الإنسانية ويقابلها الاعتقاد بخلق أفعال العباد، عقيدة دينية قديمة لها أصل مسيحي، ويمكن أن تكون مبدأ أساسيا في الديانة المسيحية. فدخول معتقدات دينية كالاعتقاد بحرية الإرادة الإنسانية لم تتشكل بفضل العقل أو تطبيق أي مناهج عقلانية تقدم العقل على النقل، بل هي معتقدات قديمة موجودة سلفا، يؤيد هذا القول وجود مناظرات إسلامية مسيحية منذ العصر الأموي، حول قضايا القدر وحرية الإرادة الإنسانية، وهي التي أثارت الخلاف حول مسائل القدر في المجتمع الإسلامي.
واستنتاجا لما ذكرناه آنفا، يتجدد الجدل اليوم بخصوص المعتزلة، فالموقف المعاصر من المعتزلة هو امتداد للماضي ويحمل تحيزاته، فغالب الأطروحات الاستشراقية تحمل موقفا متعاطفا تجاه المعتزلة لاعتبارات ثقافية ودينية عديدة. ونتيجة للموقف المتحيز نجدهم يصنفون المعتزلة في خانة العقل والعقلانية، ويقدمونهم باعتبارهم الجانب المشرق في التراث العربي الإسلامي. وبلا شك مثل هذا الموقف يتبناه جملة من المثقفين العرب ويعتقدون بصوابه. القضايا العقدية التي أثارها المعتزلة لم تكن نتيجة مناهج عقلية أو استدلالات منطقية، وإنما رواسب من تراث ديني قديم ورثوه من أسلافهم وكانوا يؤمنون به سلفا، والعاطفة الدينية عند بعض المستشرقين انحازت لمواقف المعتزلة وتعاملت معها على أنها مواقف ثورية وتقدمية تجاه خصومهم الذين يقدسون النصوص كما يعتقد المستشرقون.
نشأ فكر المعتزلة في بيئة متعددة الديانات ويتحدث ساكنوها لغات عدة كالآرامية والسيريانية واليونانية والفارسية والقبطية، ويعتنقون أديانا شتى. ومن الطبيعي أن يتصل الفاتحون المسلمون عن كثب بهذه الأمم، وتبدأ ثقافتهم تأخذ طابعا خاصا وسط مناخ من الجدل والمناظرات مع أبنائها. وكل دين له أتباع يجاهدون في سبيل نشر ملتهم. والتاريخ يعلمنا أن العقائد الدينية المغلوبة لا تندثر هكذا بشكل مفاجئ، بل تبقى في عقول الناس ووجدانهم إلا أنها تتشكل بصورة جديدة داخل سياق الدين الجديد، فهل للمعتزلة عقائد دينية سابقة للإسلام ورثوها من أسلافهم وحاولوا قدر المستطاع جعلها منسجمة وغير متناقضة مع عقائد الدين الإسلامي؟
فكرة «حرية الإرادة الإنسانية» من أهم الأفكار التي طرحها المعتزلة وأسهبوا في تأصيلها ودراستها، وقدموا الحجج المتنوعة للتأكيد على صحتها، وخاضوا مناظرات جدلية ووظفوا كل أساليب الحجاج في سبيل ذلك. حرية الإرادة الإنسانية ويقابلها الاعتقاد بخلق أفعال العباد، عقيدة دينية قديمة لها أصل مسيحي، ويمكن أن تكون مبدأ أساسيا في الديانة المسيحية. فدخول معتقدات دينية كالاعتقاد بحرية الإرادة الإنسانية لم تتشكل بفضل العقل أو تطبيق أي مناهج عقلانية تقدم العقل على النقل، بل هي معتقدات قديمة موجودة سلفا، يؤيد هذا القول وجود مناظرات إسلامية مسيحية منذ العصر الأموي، حول قضايا القدر وحرية الإرادة الإنسانية، وهي التي أثارت الخلاف حول مسائل القدر في المجتمع الإسلامي.
واستنتاجا لما ذكرناه آنفا، يتجدد الجدل اليوم بخصوص المعتزلة، فالموقف المعاصر من المعتزلة هو امتداد للماضي ويحمل تحيزاته، فغالب الأطروحات الاستشراقية تحمل موقفا متعاطفا تجاه المعتزلة لاعتبارات ثقافية ودينية عديدة. ونتيجة للموقف المتحيز نجدهم يصنفون المعتزلة في خانة العقل والعقلانية، ويقدمونهم باعتبارهم الجانب المشرق في التراث العربي الإسلامي. وبلا شك مثل هذا الموقف يتبناه جملة من المثقفين العرب ويعتقدون بصوابه. القضايا العقدية التي أثارها المعتزلة لم تكن نتيجة مناهج عقلية أو استدلالات منطقية، وإنما رواسب من تراث ديني قديم ورثوه من أسلافهم وكانوا يؤمنون به سلفا، والعاطفة الدينية عند بعض المستشرقين انحازت لمواقف المعتزلة وتعاملت معها على أنها مواقف ثورية وتقدمية تجاه خصومهم الذين يقدسون النصوص كما يعتقد المستشرقون.