«سقوط النخبة وبروز الشعبي» أو «نظام التفاهة» عنوانان مثيران يصلحان لكتاب، وهما كذلك فعلاً، لكن ما نسبة تطويع العلم لصالح الأيديولوجي فيهما، ولنأخذ أمريكا نموذجاً ونظامها الانتخابي القابل لبروز الشعبوية وليس الشعبي فقط، فهل هذا أسقط النخبة أم سيقف الأمريكي جيمس كلارك (1810- 1888) ضد هذا الوهم في التماهي مع «الشعبي والشعبوي» ولو جاء بعده على شكل «ما يطلبه المستمعون» في الإذاعة عند ظهورها، ثم «ما يطلبه المشاهدون» على التليفزيون، إلى «ما يصنعه الناس لبعضهم البعض» على وسائل التواصل بلا حدود/العولمة، مما يعطي «وهم سقوط النخبة».
عندما فتحت باب الخمسين من عمري قبل بضع سنوات شعرت بسؤال يلح على خاطري: فإما أن أحافظ على لياقتي الذهنية متخليًا عن رهانات السن في مكاسب «البطريركية/الأبوة/الأدبية، الثقافية، الفكرية... الشعبية، إلخ»، وما قد يتخللها من «وقار كاذب» مع نثريات «الوعظ العلموي» أتترس به أمام صراع الأجيال الذي قد أواجهه، وهذا الطريق رغم سهولته إلا أنه مؤشر عجز فكري يتم ستره بما أسميه «نمذجة النوستالجيا»، حيث أقوم بصنع «مخيال خاص عن الماضي» أنسج منه سردية مثالية «انتقائية/غير حقيقية» عن الماضي «الحارة، القرية، القبيلة، العائلة، البيوت.... إلخ»، سبق ورأيت هذا السلوك في أجيال سبقتني، كانت تمتدح حياة يسودها «العوز والفقر» فتحيلها إلى «مخيال عن حلاوة الحياة مع البساطة والألفة»، بينما الحقيقة قبل تسعين عام تصرخ قائلة: «لو كان الفقر والمرض رجلان لقتلتهما».
ما الذي قاله الأمريكي جيمس كلارك قبل أكثر من قرن ضد «سقوط النخبة وبروز الشعبي»؟ لقد قال: «رجل السياسة يفكر في الانتخابات القادمة، بينما رجل الدولة يفكر في الأجيال القادمة»، ولهذا ينشغل الكثير بكتاب «نظام التفاهة» أو كتاب «سقوط النخبة وبروز الشعبي»، رغم المضمر «الوعظي» في هذين الكتابين وخلاصتهما تقريبًا «لقد هلك الناس»، لكنها لغة تتجنب القاموس الكهنوتي المباشر وتترس بالعلموي لإنتاج «موعظة برجوازية» تؤمن بالشيء ونقيضه في آن واحد، فهي «مثلاً» مع اكتشاف البشرية للنار، لكنها تعيش سردية لتاريخ الحرائق، وأنا هنا لا أدافع عن الرأسمالية رغم عظمتها فهي «ليست بحاجة».
ما قاله جيمس كلارك ربما يجيب على استفهام طفولي وذكي: ما دامت أمريكا بهذه الشعبوية «السائلة» في زمن ترامب فلماذا لم تسقط أسوة بما عاناه السوفييت من «جمود» نخبوي أدى للتفكك والسقوط عند أول قطرة من «البيريسترويكا/إعادة الهيكلة»، والإجابة ببساطة في هذا التفريق الذي أوضحه جيمس كلارك قبل أكثر من قرن تكمن فيما أدركه الآباء المؤسسون، فحرصوا على النظام الفيدرالي مع فصل السلطات «التنفيذية، التشريعية، القضائية»، مما يخلق ضرورة التوازنات الدقيقة التي لن يدركها سوى «رجال الحكم» المحيطين «غالبًا» بأي «رجل سياسة» أمريكي، ولهذا لن نستغرب مكتوب الـ«بي بي سي» في 2017 بعنوان «هل تهدد الاستقالات والإقالات إدارة ترمب».
باختصار: لا يمكن لأي سياسي أمريكي ولو كان متعجرفًا بمستوى ترمب أن يخرج عن «المصالح العليا للولايات المتحدة الأمريكية»، وأقصى ما يستطيعه وضع بهاراته الحارة على الأسلوب فقط، ولنأخذ مثالاً ينضح بالدلالات خلال فترة ترامب (يناير 2017- يناير 2021): «قدم وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس استقالته في 2018 للرئيس ترامب، وكان سيخلفه باتريك شاناهان لكونه نائباً لوزير الدفاع خلفًا لماتيس، إلا أن الكونجرس لم يبد موافقة على ترشحه، فاستقال 2019، وخلفه مارك اسبر في نفس العام كقائم بأعمال وزارة الدفاع، ثم أقاله ترمب في 2020 وخلفه كريستوفر ميللر» عدا عشرات الاستقالات والإقالات في دوائر الرئيس ترامب فترة حكمه التي لا يسع المقال لاستعراضها ولو باقتضاب.
ما دخل «سقوط النخبة وبروز الشعبي» و«نظام التفاهة» في موضوع الانتخابات الأمريكية ونظام الحكم فيها؟ بروز هذه «المواعظ البرجوازية» على شكل «مؤلفات مكتوبة»، ومثلها كثير يؤكد أن الرأسمالية لا زالت بخير، ما دامت بعيدة عن نقد جذري بمستوى ما يفعله مثلاً «لوي التوسير».. لماذا التوسير؟ هناك ما هو أقرب للواقع العربي الحالي وارداً على لسان عمر فاخوري (1895-1946) في مؤلف صغير لا يتجاوز (50) صفحة بعنوان: «كيف ينهض العرب، 1913» كتبه وهو في 18 عامًا من عمره، يحوي من الصدق والوضوح ما يتجاوز «قضايا الوعظ البرجوازي» في زمننا هذا.
أعود إلى «النخبة الرأسمالية» التي لا يمكن أن توصف بالسقوط أو التفاهة -ليتها كذلك- بل تحافظ على نفسها وتمارس نقد ذاتها بذكاء حاد يهدف إلى تجويد «براغماتيتها»، أما «الوعظ البرجوازي» فهو جزء أصيل فيها تغذيه بأكوام من كتب «الفلسفة المثالية»، كنوع من «البنادول الاجتماعي» الذي تدعمه وتسوق له، مثله في أوهام اكتشاف الواقع مثل أوهام تغير الفرد مع مواعظ «تطوير الذات».
أما الخلاف بين المثقفين في العالم حول «العولمة» باعتبارها «أمركة» وليس «تجاور وتعايش ثقافات»، ليس إلا تأكيد للمؤكد، فحتى الصين أتأملها -وفق فهمي المتواضع عنها- فلا أرى من «الحزب الشيوعي الصيني» أي مظهر من مظاهر «الشيوعية»، بقدر ما أرى محاكاة تليق بالصينيين في تقليد «المفاهيم الرأسمالية» حد المطابقة أحيانًا، وهذا على أي حال «يحسب للسياسة الصينية» بدلاً من «الجمود» السياسي القاتل لأي دولة في العالم، ولو كانت بحجم «الاتحاد السوفيتي».
عندما فتحت باب الخمسين من عمري قبل بضع سنوات شعرت بسؤال يلح على خاطري: فإما أن أحافظ على لياقتي الذهنية متخليًا عن رهانات السن في مكاسب «البطريركية/الأبوة/الأدبية، الثقافية، الفكرية... الشعبية، إلخ»، وما قد يتخللها من «وقار كاذب» مع نثريات «الوعظ العلموي» أتترس به أمام صراع الأجيال الذي قد أواجهه، وهذا الطريق رغم سهولته إلا أنه مؤشر عجز فكري يتم ستره بما أسميه «نمذجة النوستالجيا»، حيث أقوم بصنع «مخيال خاص عن الماضي» أنسج منه سردية مثالية «انتقائية/غير حقيقية» عن الماضي «الحارة، القرية، القبيلة، العائلة، البيوت.... إلخ»، سبق ورأيت هذا السلوك في أجيال سبقتني، كانت تمتدح حياة يسودها «العوز والفقر» فتحيلها إلى «مخيال عن حلاوة الحياة مع البساطة والألفة»، بينما الحقيقة قبل تسعين عام تصرخ قائلة: «لو كان الفقر والمرض رجلان لقتلتهما».
ما الذي قاله الأمريكي جيمس كلارك قبل أكثر من قرن ضد «سقوط النخبة وبروز الشعبي»؟ لقد قال: «رجل السياسة يفكر في الانتخابات القادمة، بينما رجل الدولة يفكر في الأجيال القادمة»، ولهذا ينشغل الكثير بكتاب «نظام التفاهة» أو كتاب «سقوط النخبة وبروز الشعبي»، رغم المضمر «الوعظي» في هذين الكتابين وخلاصتهما تقريبًا «لقد هلك الناس»، لكنها لغة تتجنب القاموس الكهنوتي المباشر وتترس بالعلموي لإنتاج «موعظة برجوازية» تؤمن بالشيء ونقيضه في آن واحد، فهي «مثلاً» مع اكتشاف البشرية للنار، لكنها تعيش سردية لتاريخ الحرائق، وأنا هنا لا أدافع عن الرأسمالية رغم عظمتها فهي «ليست بحاجة».
ما قاله جيمس كلارك ربما يجيب على استفهام طفولي وذكي: ما دامت أمريكا بهذه الشعبوية «السائلة» في زمن ترامب فلماذا لم تسقط أسوة بما عاناه السوفييت من «جمود» نخبوي أدى للتفكك والسقوط عند أول قطرة من «البيريسترويكا/إعادة الهيكلة»، والإجابة ببساطة في هذا التفريق الذي أوضحه جيمس كلارك قبل أكثر من قرن تكمن فيما أدركه الآباء المؤسسون، فحرصوا على النظام الفيدرالي مع فصل السلطات «التنفيذية، التشريعية، القضائية»، مما يخلق ضرورة التوازنات الدقيقة التي لن يدركها سوى «رجال الحكم» المحيطين «غالبًا» بأي «رجل سياسة» أمريكي، ولهذا لن نستغرب مكتوب الـ«بي بي سي» في 2017 بعنوان «هل تهدد الاستقالات والإقالات إدارة ترمب».
باختصار: لا يمكن لأي سياسي أمريكي ولو كان متعجرفًا بمستوى ترمب أن يخرج عن «المصالح العليا للولايات المتحدة الأمريكية»، وأقصى ما يستطيعه وضع بهاراته الحارة على الأسلوب فقط، ولنأخذ مثالاً ينضح بالدلالات خلال فترة ترامب (يناير 2017- يناير 2021): «قدم وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس استقالته في 2018 للرئيس ترامب، وكان سيخلفه باتريك شاناهان لكونه نائباً لوزير الدفاع خلفًا لماتيس، إلا أن الكونجرس لم يبد موافقة على ترشحه، فاستقال 2019، وخلفه مارك اسبر في نفس العام كقائم بأعمال وزارة الدفاع، ثم أقاله ترمب في 2020 وخلفه كريستوفر ميللر» عدا عشرات الاستقالات والإقالات في دوائر الرئيس ترامب فترة حكمه التي لا يسع المقال لاستعراضها ولو باقتضاب.
ما دخل «سقوط النخبة وبروز الشعبي» و«نظام التفاهة» في موضوع الانتخابات الأمريكية ونظام الحكم فيها؟ بروز هذه «المواعظ البرجوازية» على شكل «مؤلفات مكتوبة»، ومثلها كثير يؤكد أن الرأسمالية لا زالت بخير، ما دامت بعيدة عن نقد جذري بمستوى ما يفعله مثلاً «لوي التوسير».. لماذا التوسير؟ هناك ما هو أقرب للواقع العربي الحالي وارداً على لسان عمر فاخوري (1895-1946) في مؤلف صغير لا يتجاوز (50) صفحة بعنوان: «كيف ينهض العرب، 1913» كتبه وهو في 18 عامًا من عمره، يحوي من الصدق والوضوح ما يتجاوز «قضايا الوعظ البرجوازي» في زمننا هذا.
أعود إلى «النخبة الرأسمالية» التي لا يمكن أن توصف بالسقوط أو التفاهة -ليتها كذلك- بل تحافظ على نفسها وتمارس نقد ذاتها بذكاء حاد يهدف إلى تجويد «براغماتيتها»، أما «الوعظ البرجوازي» فهو جزء أصيل فيها تغذيه بأكوام من كتب «الفلسفة المثالية»، كنوع من «البنادول الاجتماعي» الذي تدعمه وتسوق له، مثله في أوهام اكتشاف الواقع مثل أوهام تغير الفرد مع مواعظ «تطوير الذات».
أما الخلاف بين المثقفين في العالم حول «العولمة» باعتبارها «أمركة» وليس «تجاور وتعايش ثقافات»، ليس إلا تأكيد للمؤكد، فحتى الصين أتأملها -وفق فهمي المتواضع عنها- فلا أرى من «الحزب الشيوعي الصيني» أي مظهر من مظاهر «الشيوعية»، بقدر ما أرى محاكاة تليق بالصينيين في تقليد «المفاهيم الرأسمالية» حد المطابقة أحيانًا، وهذا على أي حال «يحسب للسياسة الصينية» بدلاً من «الجمود» السياسي القاتل لأي دولة في العالم، ولو كانت بحجم «الاتحاد السوفيتي».