عبدالله فدعق

يعتاد الناس في كثير من الأحيان فعل كثير من الأشياء في حياتهم لأسباب مختلفة، وربما دون سبب معلوم، ويظهر هذا في طريقة كلامهم، ولبسهم، وأكلهم، وشربهم إلى غير ذلك من شؤون حياتهم؛ ودائما لا يمكن أن تمر هذه الأفعال دون السؤال عن موقف الشرع من تغير عاداتهم.

العلماء يقسمون العادات إلى «عادات شرعية»، و«عوائد عادية تجري بين الناس»، ومن هؤلاء الإمام الشاطبي، رحمه الله، ووافقه عليه غيره، ومن القسم الأول قال الشاطبي، «لا يصح أن يقال إن نظام الطلاق الآن لا يلائم ما وصل إليه المجتمع من الرقي وتأباه محاسن العادات، وإن القصاص في القتل وحشية تتنافى مع مدنية الدولة، أو إن كشف العورة الآن ليس بعيب ولا قبيح، فلنجزه، أو غير ذلك، إذ لو صَحَّ مثل ذلك لكان نسخًا للأحكام المستقرة المستمرة»، ومن أمثلة القسم الثاني «كشف الرأس للرجال، يعد قبيحًا في بعض الأماكن، ومستحسنًا في غيرها، وكألوان الثياب، قد تكون مستحسنة في مكان ومستقبحة في آخر». وخلاصة الأمر في ذلك هو أن «حكم العادات غير الشرعية أو العوائد الجارية أن الأحكام تنبني عليها، فما كان منها ثابتًا فالحكم المترتب عليه ثابت أبدًا، وما كان منها متبدلاً فالحكم المبتنى عليه يختلف بحسبه».

السنة المطهرة، ورد فيها كثير مما يصح أن يكون دليلاً على اعتبار ما تقدم الكلام عنه؛ ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم، للسيدة عائشة رضي الله تعالى عنها: «لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض وجعلت له بابين باباً شرقياً وباباً غربياً فبلغت به أساس إبراهيم»، رواه الإمامان البخاري ومسلم، وقوله عليه الصلاة والسلام: «لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل» رواه الإمامان أحمد والترمذي، ووجه الدلالة في الحديثين، أن كلمة «لولا» أفادت امتناع أحكام بسبب اعتبار عادات، فلو تغيَّر بناء الكعبة المشرفة لحصل من المفاسد ما يزيد على مصلحة التغيير، وهو التحول من الإسلام للشرك، ومنع الآخرين مراعاة لطبيعة من يشق عليهم هذا التكليف، وكل هذا يدل على مشروعية تبدُّل الأحكام بتغيُّر العادات، ومما يستدل به أيضا حديث سيدنا ابن عباس، رضي الله عنهما: «كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر، الثلاث واحدة، فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم»، رواه الإمام مسلم، والنص يدل أيضاً على تغير الحكم تبعاً لتبدل العادات، مع التأكيد على وجود اختلافات للعلماء في التأويل.

زبدة المقال وخلاصته، يمكن أن أجملها في القول، إن التاريخ يشهد بأن مجموعة من الفقهاء خالفوا أئمة مذاهبهم في كثير من الأحكام، لقناعتهم بأن من سبقهم بنوا اجتهاداتهم على أحوال أزمنتهم، فلو وجد هؤلاء الأئمة في أزمنة أتباعهم لقالوا كما قال أتباعهم، والمجال مفتوح للتغيير بشروط التغيير المقبولة، وأهمها توفر المعرفة بما يلائم مصالح الناس، ويتفق مع مقتضيات الشرع.