«لا يمكن لقصيدة تحترم نفسها، أن ترفع قبعتها للقناعات للجاهزة... وتسجد لآلهة التمر... وتردد الحكمة الخنفشارية القائلة: «ليس بالإمكان أبدع مما كان»، ففي الشعر لا يوجد سوى حكمة حقيقية واحدة هي: «ليس في الإمكان أبدع مما سيكون...». فبهذا المنظور تصبح القصيدة وعداً، واحتمالاً، وتخميناً... لا ليرة عثمانية من الذهب ملفوفة بالقطن.. أو فراشة محنطة مثبتة على الحائط بدبابيس.. وبهذا التصور للشعر، تصبح القصيدة سهماً ذاهباً إلى المستقبل، لا كتابة هيروغليفية منقوشة على تابوت حجري...» نزار قباني، الأعمال النثرية الكاملة ج2 ص47.
قرأت المكتوب أعلاه شفعاً ووتراً ثم توقفت، مستأذناً القارئ في اعتراف كاتب لا يرجو من الكتابة سوى ما رجاه نزار من الشعر، فهل هذا كثير؟! نعم كثير... فالكتابة، من وجهة نظري، أقصى أمانيها أن تصبح «ديكاً» وأقصد به ذاك الديك «الرمز» في الثقافة الفرنسية باعتباره «صوت الضمير الحر المستنير»، ولكن كيف للديك العربي أن يرتقي تلك المرتبة، وهو في بعض ثقافتنا «يؤذن ولا يصلي»، «ينثر رزقه قبل أن يأكل»، «يصيح بالآذان واقفاً بشموخ على جثوة؟!» هكذا رأت الثقافة الشعبية الديك في بعض نواحينا، فكيف تستطيع الكتابة العربية أن تحقق حلمها بأن تكون ديكاً يمثل صوت الضمير الحر المستنير كما في الفرنسية.
يقول قائل: لماذا انشغلت بالديك في ثقافة أخرى غير ثقافتنا ولم تتمنَ للكتابة رمزية الصقر في الثقافة العربية، فتبتسم وأنت تنظر خلفك لقرون خلت من الكتابة لتعد قائمة من أضاعتهم أقدار «من لا يعرف الصقر يشويه» في تاريخنا العربي، هل أضع قائمة بالصقور المشوية منذ «السموأل» إذ اختار الوفاء بكلمته وصوت ضميره، ولو على دم ابنه.... «السموأل عربي يهودي» كدت أحذفه من المقال «خوفاً من تهمة التطبيع!!»، فعن أي ديك أو صقر نتحدث، والغربان المتذاكية تملأ الفضاء نعيقاً، فالجثث هنا وهناك ليست في عيون الغربان إلا «حفلة رقص» باسم الدين وحزب «الله» جل في علاه عما يصفون؟! قرأتها بومة منيرفا حين أوحت لشاعر اليمن يصف ما عاشه قبل سبعين عاماً: «كانت بلا أرجل تمشي بلا نظرٍ، كان القتال بلا داع سوى المددِ، وكيف كنتم تنوحون الرجال؟ بلا نوح نموت كما نحيا بلا رشدِ، فوج يموت وننساه بأربعةٍ، فلم يعد أحد يبكي على أحدِ، وفوق ذلك ألقى ألف مرتزقٍ في اليوم يسألني... ما لون معتقدي، بلا اعتقاد.. وهم مثلي بلا هدف، يا عم... ما أرخص الإنسان في بلدي»، هكذا هي الغربان/ العمائم السود تعبث في «اليمن، لبنان، العراق، سوريا»، إنها «زمَّار هاملين» استمرأه الغربيون ليقضي على جرذان القاعدة وداعش، فلما تنكروا له بلا ثمن، أخرج مزماره مختطفاً «طفولة اليمين» العربي فانساق معهم مثلهم من «طفولة اليسار» العربي سائرين إلى حتفهم على صوت مزماره.
كان مقالك أدبيا ثم قادك الواقع إلى وحل الأيديولوجيا، فلماذا السقوط؟ سقوط! أي سقوط تتحدث عنه، (سقوط الكلمة). أي كلمة؟ قرابة القرن لم أجد رابطاً بين هزائمنا وقتلانا وفجائعنا إلا ونجد خيطها الناظم يكمن في (العنتريات/ الشعارات) حتى نزار قباني نفسه قال: «أعترف، بأن الشعر، بقدر ما أشعل همة العرب وكبرياءهم، فإنه من جانب آخر، غرَّر بهم، وورطهم، ودفع بهم إلى اتخاذ مواقف دونكيشوتيه، فيها كثير من الطيش والرعونة واللاواقعية» الأعمال النثرية الكاملة، ج2 ص14، لقد نسب للشعر أكثر مما يطيق، فكيف ننسب للكتابة ما لا تطيقه أصلاً.
لست أيديولوجياً من أي نوع، فلا اصدق أن «أمريكا فوق مكر التاريخ»، أما السقوط فقد بدأ منذ عقود بمئات الآلاف من القتلى في عالمنا العربي، نغسل فيه الموت «حتف القصف والهدم» بماء اللغة المقدسة فنسميهم «شهداء»، والحقيقة أرقام «مجرد إحصائية» في أضابير الأمم المتحدة، وملايين «الدياسبورا العرب» الذي يعيشون «اللجوء والمنفى» خبزاً يومياً، ثم نعالج هذا الشتات بلعن «العجم المخالفين لنا عرقاً أو دين».
«وحل الأيديولوجيا» وصف غير دقيق لهذا المقال، إنها كتابة «ديك عربي» لم يزعم يوماً أنه صقر، فقد قرأ التاريخ وعرف طبيعة الجغرافيا، فكيف نلوم «قسوة الحياة» في الأرض العربية، إن راوغت الضرورة صاحبها، ثم قال: «شويت الصقر ظننته حمامة» فما ذنب الحمامة؟ وما ذنب السباع والجوارح إن كانت لها أنياب ومخالب ولم تولد بأظلاف وأخفاف وحافر؟!
الإنسان.... فقط «الإنسان».. سما على «قانون الغابة» باللغة، أما الواقع فحيناً يكون على مثال اللغة، وأحياناً على مثال «الغابة»، فهل اللغة كل شيء؟ لا.... اللغة ليست بشيء دون «عقل يفكر»، والعقل ليس بشيء دون «حضارة ترعاه» والحضارة ليست بشيء دون «تاريخ مكتوب»، والتاريخ ليس بشيء دون «إنسان أسمى»، والإنسان ليس بشيء دون «قلق الوجود» الذي أنجب تكيف الخائفين من الطبيعة يصنعونها «ديناً»، وأنجب همم المسيطرين على الطبيعة يصنعونها «كهرباء، قطارات، طائرات...... وذكاء صناعي»، ولا يزال الخائفون من الطبيعة يشترون من المسيطرين على الطبيعة «بياجرهم» ثم يفجعهم أنها تنفجر، فهلا تذكرنا الهنود الحمر عندما أتقنوا بنادق يبيعها عليهم «أعداؤهم!» يرمون بها من على ظهور خيلهم فرساناً بارعين، لكنهم لم يتقنوا «عقل الإنسان» في رؤوس تشبههم على أجساد خصومهم، ثم يبكون الإبادة.
لم تنقص الهندي الأحمر الشجاعة بقدر ما نقصه التنوير الذي أحال «دين الخوف من الطبيعة الذي عاش به أجداده آلاف السنين» إلى «همة السيطرة عليها منذ بضعة قرون»، ثم يأتي أمثال الهنود الحمر في شرقنا الأوسط، فيملؤون فضاءنا العربي «سباباً عربياً فصيحاً وشتائم بليغة!» بما يؤكد لكل عاقل أنهم أبناء عمنا في العروبة، ويبقى الفرق أنهم أحفاد من قال: «أوسعتهم سباً وساروا بالإبل»، ويحزنهم ويفت قلوبهم غيظاً وكمداً أن غيرهم حفيد «لست بالخب ولا الخب يخدعني».
قرأت المكتوب أعلاه شفعاً ووتراً ثم توقفت، مستأذناً القارئ في اعتراف كاتب لا يرجو من الكتابة سوى ما رجاه نزار من الشعر، فهل هذا كثير؟! نعم كثير... فالكتابة، من وجهة نظري، أقصى أمانيها أن تصبح «ديكاً» وأقصد به ذاك الديك «الرمز» في الثقافة الفرنسية باعتباره «صوت الضمير الحر المستنير»، ولكن كيف للديك العربي أن يرتقي تلك المرتبة، وهو في بعض ثقافتنا «يؤذن ولا يصلي»، «ينثر رزقه قبل أن يأكل»، «يصيح بالآذان واقفاً بشموخ على جثوة؟!» هكذا رأت الثقافة الشعبية الديك في بعض نواحينا، فكيف تستطيع الكتابة العربية أن تحقق حلمها بأن تكون ديكاً يمثل صوت الضمير الحر المستنير كما في الفرنسية.
يقول قائل: لماذا انشغلت بالديك في ثقافة أخرى غير ثقافتنا ولم تتمنَ للكتابة رمزية الصقر في الثقافة العربية، فتبتسم وأنت تنظر خلفك لقرون خلت من الكتابة لتعد قائمة من أضاعتهم أقدار «من لا يعرف الصقر يشويه» في تاريخنا العربي، هل أضع قائمة بالصقور المشوية منذ «السموأل» إذ اختار الوفاء بكلمته وصوت ضميره، ولو على دم ابنه.... «السموأل عربي يهودي» كدت أحذفه من المقال «خوفاً من تهمة التطبيع!!»، فعن أي ديك أو صقر نتحدث، والغربان المتذاكية تملأ الفضاء نعيقاً، فالجثث هنا وهناك ليست في عيون الغربان إلا «حفلة رقص» باسم الدين وحزب «الله» جل في علاه عما يصفون؟! قرأتها بومة منيرفا حين أوحت لشاعر اليمن يصف ما عاشه قبل سبعين عاماً: «كانت بلا أرجل تمشي بلا نظرٍ، كان القتال بلا داع سوى المددِ، وكيف كنتم تنوحون الرجال؟ بلا نوح نموت كما نحيا بلا رشدِ، فوج يموت وننساه بأربعةٍ، فلم يعد أحد يبكي على أحدِ، وفوق ذلك ألقى ألف مرتزقٍ في اليوم يسألني... ما لون معتقدي، بلا اعتقاد.. وهم مثلي بلا هدف، يا عم... ما أرخص الإنسان في بلدي»، هكذا هي الغربان/ العمائم السود تعبث في «اليمن، لبنان، العراق، سوريا»، إنها «زمَّار هاملين» استمرأه الغربيون ليقضي على جرذان القاعدة وداعش، فلما تنكروا له بلا ثمن، أخرج مزماره مختطفاً «طفولة اليمين» العربي فانساق معهم مثلهم من «طفولة اليسار» العربي سائرين إلى حتفهم على صوت مزماره.
كان مقالك أدبيا ثم قادك الواقع إلى وحل الأيديولوجيا، فلماذا السقوط؟ سقوط! أي سقوط تتحدث عنه، (سقوط الكلمة). أي كلمة؟ قرابة القرن لم أجد رابطاً بين هزائمنا وقتلانا وفجائعنا إلا ونجد خيطها الناظم يكمن في (العنتريات/ الشعارات) حتى نزار قباني نفسه قال: «أعترف، بأن الشعر، بقدر ما أشعل همة العرب وكبرياءهم، فإنه من جانب آخر، غرَّر بهم، وورطهم، ودفع بهم إلى اتخاذ مواقف دونكيشوتيه، فيها كثير من الطيش والرعونة واللاواقعية» الأعمال النثرية الكاملة، ج2 ص14، لقد نسب للشعر أكثر مما يطيق، فكيف ننسب للكتابة ما لا تطيقه أصلاً.
لست أيديولوجياً من أي نوع، فلا اصدق أن «أمريكا فوق مكر التاريخ»، أما السقوط فقد بدأ منذ عقود بمئات الآلاف من القتلى في عالمنا العربي، نغسل فيه الموت «حتف القصف والهدم» بماء اللغة المقدسة فنسميهم «شهداء»، والحقيقة أرقام «مجرد إحصائية» في أضابير الأمم المتحدة، وملايين «الدياسبورا العرب» الذي يعيشون «اللجوء والمنفى» خبزاً يومياً، ثم نعالج هذا الشتات بلعن «العجم المخالفين لنا عرقاً أو دين».
«وحل الأيديولوجيا» وصف غير دقيق لهذا المقال، إنها كتابة «ديك عربي» لم يزعم يوماً أنه صقر، فقد قرأ التاريخ وعرف طبيعة الجغرافيا، فكيف نلوم «قسوة الحياة» في الأرض العربية، إن راوغت الضرورة صاحبها، ثم قال: «شويت الصقر ظننته حمامة» فما ذنب الحمامة؟ وما ذنب السباع والجوارح إن كانت لها أنياب ومخالب ولم تولد بأظلاف وأخفاف وحافر؟!
الإنسان.... فقط «الإنسان».. سما على «قانون الغابة» باللغة، أما الواقع فحيناً يكون على مثال اللغة، وأحياناً على مثال «الغابة»، فهل اللغة كل شيء؟ لا.... اللغة ليست بشيء دون «عقل يفكر»، والعقل ليس بشيء دون «حضارة ترعاه» والحضارة ليست بشيء دون «تاريخ مكتوب»، والتاريخ ليس بشيء دون «إنسان أسمى»، والإنسان ليس بشيء دون «قلق الوجود» الذي أنجب تكيف الخائفين من الطبيعة يصنعونها «ديناً»، وأنجب همم المسيطرين على الطبيعة يصنعونها «كهرباء، قطارات، طائرات...... وذكاء صناعي»، ولا يزال الخائفون من الطبيعة يشترون من المسيطرين على الطبيعة «بياجرهم» ثم يفجعهم أنها تنفجر، فهلا تذكرنا الهنود الحمر عندما أتقنوا بنادق يبيعها عليهم «أعداؤهم!» يرمون بها من على ظهور خيلهم فرساناً بارعين، لكنهم لم يتقنوا «عقل الإنسان» في رؤوس تشبههم على أجساد خصومهم، ثم يبكون الإبادة.
لم تنقص الهندي الأحمر الشجاعة بقدر ما نقصه التنوير الذي أحال «دين الخوف من الطبيعة الذي عاش به أجداده آلاف السنين» إلى «همة السيطرة عليها منذ بضعة قرون»، ثم يأتي أمثال الهنود الحمر في شرقنا الأوسط، فيملؤون فضاءنا العربي «سباباً عربياً فصيحاً وشتائم بليغة!» بما يؤكد لكل عاقل أنهم أبناء عمنا في العروبة، ويبقى الفرق أنهم أحفاد من قال: «أوسعتهم سباً وساروا بالإبل»، ويحزنهم ويفت قلوبهم غيظاً وكمداً أن غيرهم حفيد «لست بالخب ولا الخب يخدعني».