عندما اختار الدكتور عبدالله ناصر السبيعي، قبل ما يربو على 18 سنة، أن يرفع الغطاء عن فصل مهم من فصول الذاكرة، ويسلط الضوء على مواقف الملك سعود تجاه أرامكو، لم يجد أمامه من وثائق الشركة إلا تقاريرها السنوية، بينما التفاصيل لما وراء سطور تلك التقارير كانت حاضرة ضمن دراسات أجنبية كانت ومازالت هي الرافد الرئيس حين البحث عن سيرة البدايات لواحدة من المحطات المفصلية، لا على المستوى الاقتصادي وحسب، بل وحتى الاجتماعي والثقافي والسياسي.
الغريب في الأمر أن الشركة التي عرفت المطبوعات مبكرًا، وانشغلت بصناعة الإعلام ومغازلة الثقافة في محطاتها الأولى، لم تعرف كتابًا عربيًا شاملًا يؤرخ لسيرتها وتحولاتها، ولا متحفًا يرصد الماضي بفصوله كافة، إلا في سنواتها الأخيرة، وكأن الكتابة التاريخية ليست حقلًا من حقول الكتابة عربيًا. فمن أول كتاب أوكل للروائي الشهير والاس ستغنر وتعثره في منتصف الخمسينات، قبل أن يصار إلى نشره معدلًا في حلقات على مجلة عالم أرامكو الإنجليزية نهاية الستينيات، وحتى كتاب إمداد العالم بالطاقة الذي صاغه الكاتب سكوت مكموري في 2008 وترجم للعربية بعدها بسنوات قليلة، كانت اللغة الإنجليزية هي المقدمة في هذه الكتابة، ما يجعل من مزاجها وطريقة عرضها وتحليلها وحتى محتوياتها مصاغة وفق تأثيرات السردية الغربية لذاكرة الشركة، وهي سرديات متباينة، ومحمولة على أسئلة واستنتاجات ذات صلة بموقعية شركات النفط في تاريخ العلاقة الغربية مع الشرق الأوسط.
باعتقادي هنالك مساحة مهمة لاستعادة ذاكرة الشركة وترميمها من خلال رصد السرديات الشفاهية المهملة، تمامًا كما صنعت جامعة كاليفورنيا بمكتبها الخاص بالتاريخ الشفاهي وهي تجمع شهادات الأمريكيين الذين عملوا في مواقع بارزة في بدايات النفط بالسعودية، في مبادرة عرفتها التسعينيات من القرن الفائت، وأصبحت متاحة خلال العقدين الماضيين، شهادات متنوعة، تتناول الكثير من وجوه الحياة في هذه البلاد، وطبيعة العلاقة بين المتسيدين لهذه الصناعة آنذاك والمجتمع المحلي، وقد عمدت دارة الملك عبدالعزيز إلى ترجمة تلك الشهادات كفاتحة لمبادرتها المهمة والموسومة بسلسلة توثيق تاريخ الزيت في المملكة العربية السعودية. مضت اليوم الكثير من الوجوه المحلية إلى بارئها، إلا أن المعول يبقى على استثمار الجهود في تدوين ذاكرة الباقين منهم، لنؤسس إلى مكتبة سمعية وبصرية منفتحة على الماضي وأحواله.
كذلك بإمكان الشركة التشجيع على تعزيز الرصيد العربي من الدراسات التاريخية لسيرتها من خلال تخصيص كرسي بحثي في واحدة من الجامعات المحلية، وفتح الأبواب للاستفادة من وثائقها الثمينة والتي تشمل المراسلات والتقارير والصور، وتراثها المادي الذي يهبنا الوصول إلى أفعال الجغرافيا والتاريخ، والثقافة والاقتصاد، في أنماط العمل وأنماط الحياة في تلك العقود الطويلة.. كرسي محمول على الروح العلمية في البحث وليس نوايا التسويق وتطلعات العلاقات العامة، ما يجعل من مخرجاته البحثية مرجعًا مهمًا للدراسات الأجنبية قبل العربية لاحقًا.
اليوم نشهد إطلاق الشركة لحملتها التي تستهدف توفير المزيد من الوثائق والمقتنيات لمركزها الجديد لحفظ الوثائق وهي تطمع بحسب مسؤوليها تقديم ما يمكن أن يساهم في صياغة «القصة الإنسانية» التي قدمتها أرامكو منذ تأسيسها. هذه العودة إلى الناس يمكن قراءتها بوجهين، الوجه الأول منها هو حاجة الشركة لترميم ذاكرتها واستكمال الفصول المفقودة منها، والوجه الآخر هو التأكيد على أن الناس كانوا وما زالوا شركاء في هذه الذاكرة، ولهم الحق في المشاركة في روايتها وتدعيمها، بل وجعلها متاحة للجميع، وهذا يجعلنا نتطلع إلى أن تنتهي المبادرة إلى منصة لمطالعة تاريخنا من زوايا مختلفة، وبنكهات متعددة، مطالعة تهبنا المعرفة، بمثل ما تهبنا الوصول إلى صور أكثر وضوحًا عن تاريخ مر من هنا.
الغريب في الأمر أن الشركة التي عرفت المطبوعات مبكرًا، وانشغلت بصناعة الإعلام ومغازلة الثقافة في محطاتها الأولى، لم تعرف كتابًا عربيًا شاملًا يؤرخ لسيرتها وتحولاتها، ولا متحفًا يرصد الماضي بفصوله كافة، إلا في سنواتها الأخيرة، وكأن الكتابة التاريخية ليست حقلًا من حقول الكتابة عربيًا. فمن أول كتاب أوكل للروائي الشهير والاس ستغنر وتعثره في منتصف الخمسينات، قبل أن يصار إلى نشره معدلًا في حلقات على مجلة عالم أرامكو الإنجليزية نهاية الستينيات، وحتى كتاب إمداد العالم بالطاقة الذي صاغه الكاتب سكوت مكموري في 2008 وترجم للعربية بعدها بسنوات قليلة، كانت اللغة الإنجليزية هي المقدمة في هذه الكتابة، ما يجعل من مزاجها وطريقة عرضها وتحليلها وحتى محتوياتها مصاغة وفق تأثيرات السردية الغربية لذاكرة الشركة، وهي سرديات متباينة، ومحمولة على أسئلة واستنتاجات ذات صلة بموقعية شركات النفط في تاريخ العلاقة الغربية مع الشرق الأوسط.
باعتقادي هنالك مساحة مهمة لاستعادة ذاكرة الشركة وترميمها من خلال رصد السرديات الشفاهية المهملة، تمامًا كما صنعت جامعة كاليفورنيا بمكتبها الخاص بالتاريخ الشفاهي وهي تجمع شهادات الأمريكيين الذين عملوا في مواقع بارزة في بدايات النفط بالسعودية، في مبادرة عرفتها التسعينيات من القرن الفائت، وأصبحت متاحة خلال العقدين الماضيين، شهادات متنوعة، تتناول الكثير من وجوه الحياة في هذه البلاد، وطبيعة العلاقة بين المتسيدين لهذه الصناعة آنذاك والمجتمع المحلي، وقد عمدت دارة الملك عبدالعزيز إلى ترجمة تلك الشهادات كفاتحة لمبادرتها المهمة والموسومة بسلسلة توثيق تاريخ الزيت في المملكة العربية السعودية. مضت اليوم الكثير من الوجوه المحلية إلى بارئها، إلا أن المعول يبقى على استثمار الجهود في تدوين ذاكرة الباقين منهم، لنؤسس إلى مكتبة سمعية وبصرية منفتحة على الماضي وأحواله.
كذلك بإمكان الشركة التشجيع على تعزيز الرصيد العربي من الدراسات التاريخية لسيرتها من خلال تخصيص كرسي بحثي في واحدة من الجامعات المحلية، وفتح الأبواب للاستفادة من وثائقها الثمينة والتي تشمل المراسلات والتقارير والصور، وتراثها المادي الذي يهبنا الوصول إلى أفعال الجغرافيا والتاريخ، والثقافة والاقتصاد، في أنماط العمل وأنماط الحياة في تلك العقود الطويلة.. كرسي محمول على الروح العلمية في البحث وليس نوايا التسويق وتطلعات العلاقات العامة، ما يجعل من مخرجاته البحثية مرجعًا مهمًا للدراسات الأجنبية قبل العربية لاحقًا.
اليوم نشهد إطلاق الشركة لحملتها التي تستهدف توفير المزيد من الوثائق والمقتنيات لمركزها الجديد لحفظ الوثائق وهي تطمع بحسب مسؤوليها تقديم ما يمكن أن يساهم في صياغة «القصة الإنسانية» التي قدمتها أرامكو منذ تأسيسها. هذه العودة إلى الناس يمكن قراءتها بوجهين، الوجه الأول منها هو حاجة الشركة لترميم ذاكرتها واستكمال الفصول المفقودة منها، والوجه الآخر هو التأكيد على أن الناس كانوا وما زالوا شركاء في هذه الذاكرة، ولهم الحق في المشاركة في روايتها وتدعيمها، بل وجعلها متاحة للجميع، وهذا يجعلنا نتطلع إلى أن تنتهي المبادرة إلى منصة لمطالعة تاريخنا من زوايا مختلفة، وبنكهات متعددة، مطالعة تهبنا المعرفة، بمثل ما تهبنا الوصول إلى صور أكثر وضوحًا عن تاريخ مر من هنا.