في سياق اشتداد الصراع الدوليّ، ومع حَشْدِ الجهود لنجاحِ مَوجة التحرُّر من «هَيْمَنَة» الدولار الأمريكي، أَبدت نحو 40 دولة رغبتَها بالانضمام إلى مجموعة دول «البريكس»، ومنها 23 دولة تقدّمت بطلبٍ رسميّ للانضمام، ولكنّ قمّة الدول الخمس (روسيا، الصين، الهند، البرازيل وجنوب أفريقيا) المُنعقدة بين 22 و24 أغسطس الماضي في جوهانسبورج، قرَّرت دعوة ستّ دولٍ فقط هي: مصر، السعوديّة، الإمارات، إيران، إثيوبيا، الأرجنتين للانضمام، ليُصبح عدد أعضاء المجموعة 11 دولة، بدءًا من يناير 2024. وتمّ ذلك وفق المعايير التي أعلنها وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف، على أساس «وزن الدولة وهَيْبتها، ومواقفها في الساحة الدوليّة». ووصفَ بعضُ المراقبين هذه المعايير بأنّها «ظرفيّة واستراتيجيّة وجيوسياسيّة»، خصوصًا أنّ دولًا قويّة وقريبة جدًّا من الصين وروسيا، مثل تركيا، إندونيسيا، نيجيريا وفنزويلّا، لم توافق القمّة على انضمامها؛ حتّى الجزائر التي تمتلك علاقات مميّزة واستراتيجيّة مع الدول الخمس، لم تحظَ بقبولِ الانضمام، بالرّغم من المساعي الكبيرة التي قام بها الرئيس الجزائريّ عبد المجيد تبّون، مؤكّدًا ضرورة «الدخول إلى عالَمٍ جديد يتفاعل اقتصاديّا خارج هَيْمَنة الدولار، على أن تكون «بريكس» نواةً لنظامٍ دوليّ متعدّد الأقطاب».
«الهروب» من الورقة الخضراء
منذ نهاية الحرب العالَميّة الثانية، وبعد توقيع اتّفاق «بريتون وودز» في عام 1945، أي منذ أكثر من 78 سنة، والدولار الأمريكي يُهَيْمن على الاقتصاد العالَميّ؛ ولكنْ في خضمّ الحرب الروسيّة - الأوكرانيّة المُستمرّة منذ أكثر من سنة ونصف السنة، بَرزت قوّته بصعوده اللّافت أمام ستّ عملات رئيسة، وهو يخوض سلسلة حروب متكاملة بَدأت بعقوباتٍ ماليّة مشدّدة ضدّ روسيا، ومَن يتعامل معها، ولن تنتهي برفْعِ أسعار الفائدة الأمريكية التي تجاوزت 5%. ولكنّ هذا السلاح الذي مَنَحَ الولايات المتّحدة نفوذًا ماليًّا وسياسيًّا كبيرًا على مستوى قيادة الاقتصاد العالَميّ، بَدأ يُواجِه مُنافَسةً استراتيجيّة قويّة من عملاتٍ أخرى تسعى إلى اقتسام النفوذ معه، وكَسْرِ حدّة «الهَيْمَنة الآحاديّة» للقيادة الأمريكية. وقد عكَسَ هذا التطوّرُ مشهدًا لـ «الهروب» من الورقة الخضراء.
من هنا، بَرَزَ دَور مجموعة «البريكس» التي تأسَّست في عام 2009 من أربع دول (روسيا، الصين، الهند والبرازيل)، ثمّ انضمّت إليها جنوب أفريقيا في العام 2011، وقد أَخفقت حتّى الآن في تحقيق هدفها بتشكيل نظامٍ سياسيّ واقتصاديّ دوليّ متعدّد الأقطاب. فهل تستطيع تحقيق ذلك بعدما أصبحت 11 دولة؟
مُعادَلة دوليّة جديدة
لقد كان النظام الدوليّ نظامًا إيديولوجيًّا بين الغرب بقيادة الولايات المتّحدة من جهة، والشرق بقيادة الاتّحاد السوفيتي من جهةٍ أخرى. وبما أنّ الإيديولوجيا تقوم على نظامٍ فكريّ آحاديّ مَبنيّ على الإيمان بحقيقةٍ أساسيّة تَعمل جماعةٌ من أجلها، وتُناضل لتحقيقها، فقد كانت تتمثّل في «اللّيبراليّة» ببُعدها الديمقراطي القومي في الجانب الرأسمالي، مقابل «الاشتراكيّة» ببُعدها الماركسي في الجانب اليساري. وبعد فترة من الصراع بين التيّارَيْن، انهارَ الاتّحاد السوفياتي في أواخر الثمانينيّات من القرن الماضي، بداعي عوامل اقتصاديّة عدّة، وبقيَ النظام العالَميّ قائمًا على جناحٍ واحد بقيادة الولايات المتّحدة. وبما أنّ هذا الوضع لم يخلق توازنًا بين القوى الدوليّة، لا على المستوى الإيديولوجي، ولا الديموجرافي، ولا الجغرافي، وكذلك حتّى على مستوى الفعاليّة العسكريّة والاقتصاديّة، انطلقت مجموعة «البريكس» لإيجاد مُعادَلةٍ دوليّة جديدة.
وإذا كانت الإيديولوجيا بمضمونها القوميّ، هي القوّة السياسيّة الأكثر فعاليّة في المُجتمعات الإنسانيّة، فإنّ الجغرافيا والديموجرافيا هُما من العناصر الأساسيّة في بناء النّظام العالمي، حيث تعطي مساحةُ الدول على رقعة الأرض، من حيث الاتّساع والمَوقع والشكل، القدرة على الدّفاع والهجوم، حفاظًا على سيادة الدولة واستقلالها. مع التأكيد على أنّ ذلك لن يكون مُتاحا من دون وجود طاقة بشريّة تشكِّل «السلسلة الفقريّة» لهذه الجغرافيا بفعل الديموجرافيا. حتّى أنّ بعض المفكّرين الاستراتيجيّين، يرى أنّ «الديموجرافيا هي التي تصنع التاريخ».
«التنوُّع» الديموجرافيّ
تُعَدّ دول «بريكس» أهمّ خمسة اقتصادات ناشئة في العالَم، وقد صيغَ مصطلح «بريك» في العام 2001، وتمَّ في عام 2010 توسيعه بدعوةٍ من الصين ليشمل جنوب إفريقيا، ليُصبح اسم التكتّل «بريكس». وبينما تمَّ إنشاء الاختصار كمُصطلح غير رسمي لهذه الاقتصادات النّاشئة، بدأتِ الدولُ الخمس بعَقْدِ مؤتمراتِ قمّة سنويّة منذ عام 2009، مع مجالات اهتمام مُماثِلة لمجموعة الدول السبع، التي كانت روسيا عضوًا فيها، من عام 1997 إلى عام 2014، إلى أن تمّ طردها بعد ضمِّ شبه جزيرة القرم. وتشكِّل الدول الخمس مع الدول السبع أكبر 12 اقتصادًا في العالَم.
وتشير الإحصاءات إلى أنّ مساحة الدول الخمس الأساسيّة في تكتّل «بريكس» تبلغ 39.632 مليون كيلومتر مربّع، وعدد سكّانها 3.215 مليارات نسمة، ويشكّل 42% من سكّان العالَم؛ وقد أَسهمت بنحو 31.5% من الاقتصاد العالَمي. بينما مجموعة الدول السبع (كندا، اليابان، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، المَملكة المتّحدة والولايات المتّحدة) التي يشكّل سكّانُها 10% فقط، بلغت إسهامتها 30.7%؛ ما يعني أنّ إنتاجيّة الدول الصناعيّة أكثر كفاءة وفعاليّة. ولكن مع إضافة الدول الستّ ليُصبح عدد أعضاء «البريكس» 11 عضوًا، تزداد المساحة الجغرافيّة إلى 48.449 مليون كيلومتر مربّع، ويزداد عدد السكّان إلى 3.599 مليارات نسمة.
واللّافت في التنوُّع الديموجرافيّ، دخول الإسلام للمرّة الأولى على خطّ المُعادَلة الجديدة، وذلك من خلال جمْعِ مُمثِّلي جناحَيْه: السعوديّة كممثِّل لأهل السنّة والجماعة، وإيران كممثِّل للشيعة، وبذلك صار الإسلام جلّه في مجموعة «بريكس»؛ بالإضافة إلى دولٍ إسلاميّة لها رمزيّتها الخاصّة، مثل مصر، مع الإشارة، استطرادًا، إلى اختيار دولتَيْن تُمثلّان قوّتَيْن إقليميّتَيْن في محيطهما الجغرافيّ: الأرجنتين في أمريكا الجنوبيّة وإثيوبيا في شرق أفريقيا.
هكذا تكون مجموعة «بريكس» قد عوَّضت عن الطّاقة الإيديولوجيّة، وحتّى العسكريّة للغرب بطاقاتٍ بديلة: الدّين والجغرافيا والديموجرافيا. ومن أجل ذلك تمَّ صَوْغ محور دوليّ أساسيّ يمرّ في شرق خريطة العالَم عبر آسيا، من بكين وصولًا إلى موسكو، مرورًا بإيران والسعوديّة، بحيث تتحوّل الديانة الإسلاميّة إلى عنصرٍ أساسيّ ومركزيّ في المُعادَلة الدوليّة الجديدة، والتي تضمّ نحو نصف سكّان العالَم.
«التوازُن» الاقتصاديّ
لا شكّ في أنّ انضمام دول عربيّة إلى مجموعة «بريكس»، يمثِّل محطّةً مهمّة في تحوُّل موازين القوى الاقتصاديّة العالَميّة. فالسعوديّة والإمارات ومصر مرشَّحة لتكون دولاً رائدة في إنتاج الطّاقات النظيفة وتصديرها خلال العقود القليلة المُقبلة، على غرار الهيدروجين الأخضر، والأمونيا الخضراء، التي من المتوقّع أن تُنافِس الوقود الأحفوريّ.
ومع انضمام ثلاث دول من أكبر أعضاء «أوبك»، وهي السعوديّة والإمارات وإيران، ستَستحوِذ مجموعةُ «بريكس»، على 42% من إنتاج النفط، و38% من إنتاج الغاز، و67% من إنتاج الفحم في السوق العالميّة، خصوصًا أنّ السعوديّة والإمارات تمتلكان اقتصادًا قويًّا مُتناميًا ومؤثّرًا، ما يَرفع من حَجْم اقتصاد المجموعة؛ مع العِلم أنّ الدولتَيْن هُما من اللّاعبين الرئيسيّين في أسواق الطّاقة العالَميّة، وأنّ انضمامَهما يُحقِّق العديد من المزايا للمجموعة، ولاسيّما لجهة استقرار أمن إمدادات الطّاقة لكبار المُستهلِكين، وتحديدًا الصين والهند. كما يَفتح هذا الانضمامُ البابَ أمام آفاقٍ جديدة من التعاوُن وتعزيز العلاقات مع كثير من دول العالَم، على اعتبار أنّ هاتَيْن الدولتَيْن من أكبر الشركاء التجاريّين لدول المجموعة التي تُعَدّ من أسرع اقتصادات العالَم نموًّا، الأمر الذي يَدعم استراتيجيّتهما القائمة على الانفتاح والتنوُّع، ويُعزِّز وصولهما إلى شبكةٍ قويّة من الشركاء الاقتصاديّين في ظلّ التحوّلات العالَميّة الجارية، وسط توتّراتٍ جيوسياسيّة وعقوباتٍ مُتبادَلة بين موسكو من جهة، وواشنطن وعواصم دول أوروبيّة من جهةٍ أخرى.
أمّا بالنسبة إلى مصر، فإنّ انضمامها من شأنه أن يَدعم بقوّة الصناعة المصريّة، ويُعزِّز صادراتها، على أن يتمّ ذلك من خلال اعتماد سياسة تبادُل السلع، بدلًا من التعامل بالدولار، ما يُسهم في خروج الاقتصاد المصري من أزمته المتفاقمة، والتي تعود إلى شحّ العملة الأمريكية، مع الإشارة إلى أنّ انضمام مصر إلى «البريكس»، يؤكّد قوّة الاقتصاد المصريّ، وثقة المجتمعات الدوليّة الكبرى به.
ومن الطبيعي أن يؤدّي انضمام عدد من الدول النفطيّة إلى دعْمِ قدرات «بريكس» الائتمانيّة.
ولكن هل ستنجح مجموعة «بريكس» في تحقيق أهدافها؟
لا شكّ في أنّ ذلك متوقّف على سرعة تبنّي الكتلة الجديدة للأنظمة التجاريّة، ومدى ابتعادها عن الدولار، إضافة إلى نجاحها في إدارة التجارة الدوليّة، وتعاملها مع الأسواق العالَميّة. وإذا نجحتْ في تنويع سلاسل الإمداد على قاعدة الشراكة، فستكون لذلك آثاره الإيجابيّة على التجارة الدوليّة، وسيَرفع من معدّلاتها. أمّا إذا ازداد التبادُل التجاريّ بين أعضائها، على حساب الاقتصادات الأخرى من خارج التكتُّل، فإنّ ذلك سيُعمِّق من حالة الانقسام، وينعكس سلباً على الاقتصاد العالَمي. ويرتبط هذا الأمر أيضًا برغبة الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي في تحسين شروط التجارة الدوليّة وطريقة تعاطيهم مع بعض الشركاء. وإلى أن يتمّ تحديد طبيعة العلاقات التجاريّة الجديدة، فإنّ الاقتصاد العالَمي سيَشهد حالةً من الترقُّب واللّايقين تنعكس على أدائه حتّى العام 2025، حيث سنَشهد فصلًا جديدًا في التجارة الدوليّة.
* كاتب ومحلّل اقتصادي من لبنان
* ينشر بالتزامن مع نشرة (أفق) الإلكترونية.
«الهروب» من الورقة الخضراء
منذ نهاية الحرب العالَميّة الثانية، وبعد توقيع اتّفاق «بريتون وودز» في عام 1945، أي منذ أكثر من 78 سنة، والدولار الأمريكي يُهَيْمن على الاقتصاد العالَميّ؛ ولكنْ في خضمّ الحرب الروسيّة - الأوكرانيّة المُستمرّة منذ أكثر من سنة ونصف السنة، بَرزت قوّته بصعوده اللّافت أمام ستّ عملات رئيسة، وهو يخوض سلسلة حروب متكاملة بَدأت بعقوباتٍ ماليّة مشدّدة ضدّ روسيا، ومَن يتعامل معها، ولن تنتهي برفْعِ أسعار الفائدة الأمريكية التي تجاوزت 5%. ولكنّ هذا السلاح الذي مَنَحَ الولايات المتّحدة نفوذًا ماليًّا وسياسيًّا كبيرًا على مستوى قيادة الاقتصاد العالَميّ، بَدأ يُواجِه مُنافَسةً استراتيجيّة قويّة من عملاتٍ أخرى تسعى إلى اقتسام النفوذ معه، وكَسْرِ حدّة «الهَيْمَنة الآحاديّة» للقيادة الأمريكية. وقد عكَسَ هذا التطوّرُ مشهدًا لـ «الهروب» من الورقة الخضراء.
من هنا، بَرَزَ دَور مجموعة «البريكس» التي تأسَّست في عام 2009 من أربع دول (روسيا، الصين، الهند والبرازيل)، ثمّ انضمّت إليها جنوب أفريقيا في العام 2011، وقد أَخفقت حتّى الآن في تحقيق هدفها بتشكيل نظامٍ سياسيّ واقتصاديّ دوليّ متعدّد الأقطاب. فهل تستطيع تحقيق ذلك بعدما أصبحت 11 دولة؟
مُعادَلة دوليّة جديدة
لقد كان النظام الدوليّ نظامًا إيديولوجيًّا بين الغرب بقيادة الولايات المتّحدة من جهة، والشرق بقيادة الاتّحاد السوفيتي من جهةٍ أخرى. وبما أنّ الإيديولوجيا تقوم على نظامٍ فكريّ آحاديّ مَبنيّ على الإيمان بحقيقةٍ أساسيّة تَعمل جماعةٌ من أجلها، وتُناضل لتحقيقها، فقد كانت تتمثّل في «اللّيبراليّة» ببُعدها الديمقراطي القومي في الجانب الرأسمالي، مقابل «الاشتراكيّة» ببُعدها الماركسي في الجانب اليساري. وبعد فترة من الصراع بين التيّارَيْن، انهارَ الاتّحاد السوفياتي في أواخر الثمانينيّات من القرن الماضي، بداعي عوامل اقتصاديّة عدّة، وبقيَ النظام العالَميّ قائمًا على جناحٍ واحد بقيادة الولايات المتّحدة. وبما أنّ هذا الوضع لم يخلق توازنًا بين القوى الدوليّة، لا على المستوى الإيديولوجي، ولا الديموجرافي، ولا الجغرافي، وكذلك حتّى على مستوى الفعاليّة العسكريّة والاقتصاديّة، انطلقت مجموعة «البريكس» لإيجاد مُعادَلةٍ دوليّة جديدة.
وإذا كانت الإيديولوجيا بمضمونها القوميّ، هي القوّة السياسيّة الأكثر فعاليّة في المُجتمعات الإنسانيّة، فإنّ الجغرافيا والديموجرافيا هُما من العناصر الأساسيّة في بناء النّظام العالمي، حيث تعطي مساحةُ الدول على رقعة الأرض، من حيث الاتّساع والمَوقع والشكل، القدرة على الدّفاع والهجوم، حفاظًا على سيادة الدولة واستقلالها. مع التأكيد على أنّ ذلك لن يكون مُتاحا من دون وجود طاقة بشريّة تشكِّل «السلسلة الفقريّة» لهذه الجغرافيا بفعل الديموجرافيا. حتّى أنّ بعض المفكّرين الاستراتيجيّين، يرى أنّ «الديموجرافيا هي التي تصنع التاريخ».
«التنوُّع» الديموجرافيّ
تُعَدّ دول «بريكس» أهمّ خمسة اقتصادات ناشئة في العالَم، وقد صيغَ مصطلح «بريك» في العام 2001، وتمَّ في عام 2010 توسيعه بدعوةٍ من الصين ليشمل جنوب إفريقيا، ليُصبح اسم التكتّل «بريكس». وبينما تمَّ إنشاء الاختصار كمُصطلح غير رسمي لهذه الاقتصادات النّاشئة، بدأتِ الدولُ الخمس بعَقْدِ مؤتمراتِ قمّة سنويّة منذ عام 2009، مع مجالات اهتمام مُماثِلة لمجموعة الدول السبع، التي كانت روسيا عضوًا فيها، من عام 1997 إلى عام 2014، إلى أن تمّ طردها بعد ضمِّ شبه جزيرة القرم. وتشكِّل الدول الخمس مع الدول السبع أكبر 12 اقتصادًا في العالَم.
وتشير الإحصاءات إلى أنّ مساحة الدول الخمس الأساسيّة في تكتّل «بريكس» تبلغ 39.632 مليون كيلومتر مربّع، وعدد سكّانها 3.215 مليارات نسمة، ويشكّل 42% من سكّان العالَم؛ وقد أَسهمت بنحو 31.5% من الاقتصاد العالَمي. بينما مجموعة الدول السبع (كندا، اليابان، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، المَملكة المتّحدة والولايات المتّحدة) التي يشكّل سكّانُها 10% فقط، بلغت إسهامتها 30.7%؛ ما يعني أنّ إنتاجيّة الدول الصناعيّة أكثر كفاءة وفعاليّة. ولكن مع إضافة الدول الستّ ليُصبح عدد أعضاء «البريكس» 11 عضوًا، تزداد المساحة الجغرافيّة إلى 48.449 مليون كيلومتر مربّع، ويزداد عدد السكّان إلى 3.599 مليارات نسمة.
واللّافت في التنوُّع الديموجرافيّ، دخول الإسلام للمرّة الأولى على خطّ المُعادَلة الجديدة، وذلك من خلال جمْعِ مُمثِّلي جناحَيْه: السعوديّة كممثِّل لأهل السنّة والجماعة، وإيران كممثِّل للشيعة، وبذلك صار الإسلام جلّه في مجموعة «بريكس»؛ بالإضافة إلى دولٍ إسلاميّة لها رمزيّتها الخاصّة، مثل مصر، مع الإشارة، استطرادًا، إلى اختيار دولتَيْن تُمثلّان قوّتَيْن إقليميّتَيْن في محيطهما الجغرافيّ: الأرجنتين في أمريكا الجنوبيّة وإثيوبيا في شرق أفريقيا.
هكذا تكون مجموعة «بريكس» قد عوَّضت عن الطّاقة الإيديولوجيّة، وحتّى العسكريّة للغرب بطاقاتٍ بديلة: الدّين والجغرافيا والديموجرافيا. ومن أجل ذلك تمَّ صَوْغ محور دوليّ أساسيّ يمرّ في شرق خريطة العالَم عبر آسيا، من بكين وصولًا إلى موسكو، مرورًا بإيران والسعوديّة، بحيث تتحوّل الديانة الإسلاميّة إلى عنصرٍ أساسيّ ومركزيّ في المُعادَلة الدوليّة الجديدة، والتي تضمّ نحو نصف سكّان العالَم.
«التوازُن» الاقتصاديّ
لا شكّ في أنّ انضمام دول عربيّة إلى مجموعة «بريكس»، يمثِّل محطّةً مهمّة في تحوُّل موازين القوى الاقتصاديّة العالَميّة. فالسعوديّة والإمارات ومصر مرشَّحة لتكون دولاً رائدة في إنتاج الطّاقات النظيفة وتصديرها خلال العقود القليلة المُقبلة، على غرار الهيدروجين الأخضر، والأمونيا الخضراء، التي من المتوقّع أن تُنافِس الوقود الأحفوريّ.
ومع انضمام ثلاث دول من أكبر أعضاء «أوبك»، وهي السعوديّة والإمارات وإيران، ستَستحوِذ مجموعةُ «بريكس»، على 42% من إنتاج النفط، و38% من إنتاج الغاز، و67% من إنتاج الفحم في السوق العالميّة، خصوصًا أنّ السعوديّة والإمارات تمتلكان اقتصادًا قويًّا مُتناميًا ومؤثّرًا، ما يَرفع من حَجْم اقتصاد المجموعة؛ مع العِلم أنّ الدولتَيْن هُما من اللّاعبين الرئيسيّين في أسواق الطّاقة العالَميّة، وأنّ انضمامَهما يُحقِّق العديد من المزايا للمجموعة، ولاسيّما لجهة استقرار أمن إمدادات الطّاقة لكبار المُستهلِكين، وتحديدًا الصين والهند. كما يَفتح هذا الانضمامُ البابَ أمام آفاقٍ جديدة من التعاوُن وتعزيز العلاقات مع كثير من دول العالَم، على اعتبار أنّ هاتَيْن الدولتَيْن من أكبر الشركاء التجاريّين لدول المجموعة التي تُعَدّ من أسرع اقتصادات العالَم نموًّا، الأمر الذي يَدعم استراتيجيّتهما القائمة على الانفتاح والتنوُّع، ويُعزِّز وصولهما إلى شبكةٍ قويّة من الشركاء الاقتصاديّين في ظلّ التحوّلات العالَميّة الجارية، وسط توتّراتٍ جيوسياسيّة وعقوباتٍ مُتبادَلة بين موسكو من جهة، وواشنطن وعواصم دول أوروبيّة من جهةٍ أخرى.
أمّا بالنسبة إلى مصر، فإنّ انضمامها من شأنه أن يَدعم بقوّة الصناعة المصريّة، ويُعزِّز صادراتها، على أن يتمّ ذلك من خلال اعتماد سياسة تبادُل السلع، بدلًا من التعامل بالدولار، ما يُسهم في خروج الاقتصاد المصري من أزمته المتفاقمة، والتي تعود إلى شحّ العملة الأمريكية، مع الإشارة إلى أنّ انضمام مصر إلى «البريكس»، يؤكّد قوّة الاقتصاد المصريّ، وثقة المجتمعات الدوليّة الكبرى به.
ومن الطبيعي أن يؤدّي انضمام عدد من الدول النفطيّة إلى دعْمِ قدرات «بريكس» الائتمانيّة.
ولكن هل ستنجح مجموعة «بريكس» في تحقيق أهدافها؟
لا شكّ في أنّ ذلك متوقّف على سرعة تبنّي الكتلة الجديدة للأنظمة التجاريّة، ومدى ابتعادها عن الدولار، إضافة إلى نجاحها في إدارة التجارة الدوليّة، وتعاملها مع الأسواق العالَميّة. وإذا نجحتْ في تنويع سلاسل الإمداد على قاعدة الشراكة، فستكون لذلك آثاره الإيجابيّة على التجارة الدوليّة، وسيَرفع من معدّلاتها. أمّا إذا ازداد التبادُل التجاريّ بين أعضائها، على حساب الاقتصادات الأخرى من خارج التكتُّل، فإنّ ذلك سيُعمِّق من حالة الانقسام، وينعكس سلباً على الاقتصاد العالَمي. ويرتبط هذا الأمر أيضًا برغبة الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي في تحسين شروط التجارة الدوليّة وطريقة تعاطيهم مع بعض الشركاء. وإلى أن يتمّ تحديد طبيعة العلاقات التجاريّة الجديدة، فإنّ الاقتصاد العالَمي سيَشهد حالةً من الترقُّب واللّايقين تنعكس على أدائه حتّى العام 2025، حيث سنَشهد فصلًا جديدًا في التجارة الدوليّة.
* كاتب ومحلّل اقتصادي من لبنان
* ينشر بالتزامن مع نشرة (أفق) الإلكترونية.