محمد السعد

تصادف وأنت تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي أو محركات البحث على شبكة الأنترنت، كثيرًا من الناس والحسابات الوهمية أو الحقيقية، الذين يقدمون لك الأسرار الخفية لجني المال بسرعة وسهولة. ستجد من يحكي لك قصة عصاميته وبدايته من الصفر، وصعوده السريع من الفقر إلى الثراء، وكيف ترك وظيفته الحكومية البسيطة للعمل الحر الذي يدر عليه الملايين دون الحاجة لرأس المال، بل ودون كثير من الجهد والتعب.

يوهمونك بأن طريق الثراء واضح ومحدد مسبقًا، وليس عليك سوى الاطلاع على بعض التكتيكات والطرق التي يمنحونها لك من خلال دورة تدريبية، أو معلومات يعدونك بأنها ستجعلك ثريًا بلمح البصر.

أساليب الاحتيال قديمة قدم الإنسان نفسه، ويعد إبليس المؤسس الأول لعلم الاحتيال ومنح الوعود بالنعيم الدائم ورغد العيش، بعد وعده الشهير المذكور في الآية (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ). فكان أبونا آدم عليه السلام أول ضحايا الاحتيال وأساليب الاقناع الكاذبة، وورث من بعده أبناؤه الثقة بالآخر.

فحياتنا اليوم ستكون صعبة دون منح الثقة للآخرين، ومهما اتخذنا الحذر وأتبعنا الحيطة، فإن وقوعنا في فخاخ المحتالين وارد على الدوام. فهم يجيدون التمثيل والخطب البلاغية وأساليب الإقناع العجيبة التي تجعلك تعيش حلم الثراء والرفاهية. وهم كذلك يعرفون نقاط ضعفك ويركزون عليها.

سوف يوهمونك أن طريق الثراء السريع متاح للجميع، وأن عصرنا هو أسهل العصور للحصول على المال السهل، ولا يمنعك من أن تكون مليونيرًا في مدة وجيزة إلا أن تكون غبيًا جدًا أو كسولًا جدًا، فهناك المنتجات الرقمية والتسويق بالعمولة والتجارة الإلكترونية التي ستجعل التدفق المالي الشهري لا يتوقف عن الانهمار في حسابك المصرفي مثل النهر الجاري.

هم لا يطلبون منك سوى دفع القليل من المال مقدمًا مقابل الحصول على كثير من المال لاحقًا، وغالبًا هذا المال لا يأتي أبدًا. وقد يطلبون منك التسجيل في دورة تدريبية أو محاضرة برسوم رمزية كي يعطونك المفاتيح التي ستفتح لك خزائن الدنيا.

ستجد بريدك الإلكتروني ممتلئًا بالرسائل التي تبشرك بالفوز باليانصيب، أو حصولك على مبلغ مليون دولار، وليس عليك سوى التواصل معهم للحصول على المبلغ بكل بساطة.

لكي تصبح مليونيرا، تلزمك العقلية الذكية، فالثراء نتيجة طبيعية للذكاء والنشاط الشخصي، واتباع الاستراتيجية الصحيحة ودراسة الجدوى المعمقة، فالأرزاق المقسمة مسبقًا ليست سوى وهم من وجهة نظرهم، والفقراء ليسو في حقيقة الأمر سوى كسالى وحمقى، سوف ترفضهم الحركة التطورية الدارونية كما يعتقدون.

ومثل هذه الوعود تجعلنا نتساءل عن طبيعة العمل وطبيعة السوق والقوانين الاقتصادية وشروط الوصول للثروة.

عقيدة السوق الحديثة أوهمت الإنسان الحديث أنه أصبح مبدعًا للمعنى ومثبتًا للتناسق، وقادرًا على التحكم بالأرزاق وتوجيهها.