محمد السعد

يعد كتاب «عقيدة قس من جبال السافوا» من أهم كتب الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، رغم أن الكتاب لم يحظ بالقدر نفسه من الاهتمام الذي حظيت به بقية كتبه المهمة، فهذا الكتاب تحديدًا يكشف الجوانب الخفية من عقيدة روسو الدينية والفكرية. «عقيدة قس من جبال السافوا» عبارة عن خطاب يلقيه قس على مسامع شاب فاقد للإيمان، يكتبه روسو بروح متدينة وإيمان عميق. لعل أكثر ما يثير الاستغراب في الكتاب تهجم روسو على الفلسفة والفلاسفة، والتعريض بمعتقداتهم وآرائهم الفكرية، يقول روسو على لسان قس الجبل: «كيف يمكن للإنسان أن يتخذ الشك عقيدة ويلتزم بها عن حسن نية؟ هذا ما لا أستطيع فهمه. هؤلاء الفلاسفة الشكاكون إما لا وجود لهم وإما هم أشقى سكان الأرض». نلاحظ في كتاب روسو تشبعه بكثير من مبادئ الفقهاء المسلمين، حتى تخال أن كاتبه أحد الفقهاء وليس جان جاك روسو الفيلسوف الفرنسي أهم رموز عصر ما يعرف بعصر التنوير. فرغم تحرره من الأديان حين كتب هذا النص فإن روسو كان أقرب للروح الإسلامية في كثير من أطروحاته في أجزاء متفرقة من الكتاب، فقد كان يتمثل آراء الفقهاء للرد على معتقدات وأفكار الفلاسفة اليونانيين. نجد روسو يدحض نظرية الفيض الإلهي التي طالما آمن بها الفلاسفة عبر التاريخ، ونجد التقارب الكبير بين ما يقدمه من حجج وبين ما قدمه الفقهاء العرب من حجج كثيرة لتبيان تهافت الفلاسفة ومعتقداتهم. يقول قس الجبل: «عندما أسمع من أن نفسي من الروح وأن الخالق روح، أنكر القول إذ أرى فيه إهانة لذات الرب كما لو جاز أن يكون الخالق والنفس المخلوقة من طبيعة واحدة». وهنا يتضح رأي روسو المخالف لعقائد فلاسفة اليونان وأوروبا التي تؤمن بوجود روح مطلق أو عقل كلي، ونجده يرفض عقيدة الفيض الإلهي التي آمن بها أفلوطين والفارابي وابن سينا، ونجد أفكار روسو هنا تتفق نسبيًا مع عقيدة فقهاء السلف في توحيد الأسماء والصفات التي تؤكد على وجوب تنزيه صفات الخالق عن صفات المخلوق. بعد قراءة كتاب «عقيدة قس من جبال السافوا» ستجد روسو مناهضًا للعقل والفلاسفة، ولا يمكنك أن تعتبره فيلسوفا بعد أن ساق الحجة تلو الأخرى لدحض حجج الفلاسفة واستدلالاتهم العقلية، وأن الإله لا يستدل عليه بالعقل بل من خلال القلب وإيمان الضمير. روسو لم يكن فيلسوفًا عقلانيًا ماديًا هنا، وعليه يتبادر للذهن السؤال التالي: هل كان روسو مطلعًا على التراث العربي ومتأثرًا به؟. لقد أشار مترجم الكتاب المفكر المغربي المعروف عبدالله العروي في مقدمته للكتاب، إلى إمكانية وجود تقارب بين أفكار الكتاب، وبين أفكار دارجة بكثرة في تراث الفكر الإسلامي. يقول عبدالله العروي: «توجد مؤشرات كثيرة على أن روسو لم يكن يحمل أي عداء مبدئي للديانة الإسلامية، بل إن أكبر الظن أنه ربما أدرك أن مفهوم دين الفطرة أقرب إلى عقيدة الإسلام منه إلى اليهودية أو المسيحية». أفكار روسو تتفق نسبيا مع عقيدة فقهاء السلف في توحيد الأسماء والصفات التي تؤكد على وجوب تنزيه صفات الخالق عن صفات المخلوق.