فاطمة المزيني

أجدها فكرة مذهلة أن يبقى قلبي نابضا وعيناي مبصرتين بعد رحيلي عن هذا العالم، وأن أنقذ حياة إنسان أو أسهم في تخفيف آلامه، ولذلك سعدت جدا بصدور نظام التبرع بالأعضاء البشرية وتبرعت مبكرا بكامل الأعضاء.

هذا المقال للذين لم يتبرعوا بعد ولديهم أسباب للتردد، وأعتقد أن كثيرا منهم ستزول مخاوفه إذا اطلع على النظام الذي صدر بالمرسوم الملكي رقم (م/70) وتاريخ 1442/8/19هـ

وقد تضمن النظام تعريفات دقيقة لكل ما يتعلق بالتبرع والوصاية بالتبرع والعدول عن التبرع وحالات الوفاة المناسبة للتبرع وإجراءات عملية نقل الأعضاء والتزامات المنشآت الصحية وفحص العضو قبل نقله وكرامة المتبرع وحمايته من الامتهان أو التشويه، وغير ذلك مما يتعلق بضبط النظام والرقابة والتفتيش والعقوبات للمخالفين.

النظام في الحقيقة غطى جانبا كبيرا مما يهم المتبرع والمستفيد من التبرع.

ثم وربما يتبقى لدى البعض مخاوف تتعلق بالمصير الأخروي للجسد ومعروف أنه توجد بعض الاجتهادات الفقهية تعتمد على نصوص دينية مفادها أن الأعضاء تحاسب بعد البعث، هذه فكرة أخرى متداولة بالفعل وينبغي مناقشتها.

يقول الله عز و جل: «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا» [الإسراء:36]

وهنا نلاحظ أن النص ذكر السمع وليس الأذن، والبصر لا العين، والفؤاد لا القلب. فالقرآن الكريم إذا لا يتعامل مع الجسد البشري، وكأنه عهدة سوف يتم جردها علينا ذات يوم! بل يتعامل مع السلوك والإرادة البشرية في حالة الحياة والوعي.

و من جهة أخرى فقد أثبت العلم بما لا يدع مجالا للشك أن الجسد يتحلل بعد الموت ويعود في شكل عناصر لدورة الحياة.

أجسادنا إذا عائدة للحياة بعد رحيلنا شئنا أم أبينا، والذرات التي تكون اليوم خلايانا وأعضاءنا لن تبقى في مكانها للأبد بل ستعود لخلق آخر. ويعني هذا أن مساحة قرارنا بالتبرع لا تشمل مادة العضو، نحن فقط نسمح باستمرار العضو على شكله نفسه، ووظيفته في جسد آخر ولفترة أخرى. هذا مناط علمنا وتصرفنا، أما البعث فهو علم الله المطلق يقول للشيء كن فيكون.

بقي أن نتقدم بالشكر للمقام السامي الذي أدخل هذا النظام إلى حيز التنفيذ ودفع باتجاه هذا العمل الإنساني العظيم. واليوم يمكن للشخص أن يتبرع بكامل الأعضاء أو ببعضها، ويتم ذلك بشكل آلي عبر تطبيق «توكلنا» والمتبرع يملك الحق في العدول عن التبرع وفي إبلاغ ذويه بتبرعه، والضمانات كثيرة لرعاية أطراف هذه العملية في كل مراحلها.

على صعيد شخصي أسعدني هذا التبرع، وأرجو من الله أن يتلاءم تبرعي مع شخص محتاج ذات يوم، ولو كان الأمر متاحا ربما لكنت أوصيته أن يتبرع هو بدوره لإنسان حي آخر فنغدو وكأنما الحياة تعبر من خلالنا مرة بعد مرة.