عند الحديث عن ظاهرة الحداثة التي أشبعت طرحًا، بصفتها ظاهرة تمثل تحررًا للإنسان من الخرافة والسحر والخوف من مظاهر الطبيعة وأسرارها الخفية. ولأن الإنسان أصبح يستعمل عقله بصورة أكثر كفاءة فإنه انتقل من حالة وعي إلى حالة وعي جديد، من مستوى الخوف من الطبيعة إلى مستوى السيطرة على الطبيعة. ومسألة «سيطرة الإنسان على الطبيعة» تعكس روح الحداثة، فهي حجر الأساس لغالب الأطروحات الحداثية، الإنسان المسيطر على الطبيعة، الإنسان الذي يفهم الطبيعة ويعقلها ويتعامل معها بعقل لذلك هو لا يخاف منها بل يستغلها ويسيطر عليها ويتحكم بها بفضل عقله النير المتحرر من قيود الخرافة، مع أن الإنسان البدائي هو الآخر يستغل الطبيعة ويفهم بعض ظواهرها وإن كان بكفاءة أقل.
هل الإنسان قادر فعلًا على السيطرة على الطبيعة؟ وهل تتضمن مقولة «سيطرة الإنسان على الطبيعة» التي تعد عنوانًا للحداثة، على أشكال من الأسطورة، وهل لها جذور لاهوتية بشكل أو بآخر؟ في كتابه «دين الفطرة» يقول جان جاك روسو متحدثا عن قوانين الطبيعة: «هذه القوانين ليست أشياء حقيقية، شخوصًا قائمة بذاتها، بل لها أصول مغايرة لها ومستورة عني. اكتشف بالاختبار وبالتأمل قوانين الحركة، لكن هذه القوانين تدلنا على النتائج لا على الأسباب. فلا تكفي لفهم نظام الكون وسير العالم». يدل كلام روسو أن الإنسان مهما تقدم في العلم فإنه لا يزال يجهل كثيرًا، ومسألة سيطرته على الطبيعة ليست في الحقيقة من نتاج عقله النير المتحرر بل تمظهرات ناتجة عن معتقداته وأساطيره التي يؤمن بها. فاعتقاد الإنسان أنه قادر على السيطرة على الطبيعة والتحكم بها تتضمن أجزاء وبقايا من معتقدات دينية قديمة في الثقافة الأوروبية القديمة تتمركز حول العقل.
مفهوم العقل يختلف باختلاف الثقافات والمعتقدات الدينية، وباختلاف نظرتها للكون والحياة، فالعقل الكوني والعقل المطلق والروح وروح التاريخ في الثقافة الغربية، كلها مفاهيم لها طابع أسطوري يؤمن بوجود عقل كلي مندمج في الطبيعة يبث النظام في جميع الأشياء في الكون ويتحكم بقوانينها ويسير حركتها، فالعقل الكلي متطابق مع الطبيعة لأنهما من جوهرين متشابهين. وهذا العقل الأسطوري نجده يتكرر كثيرًا في مقولات الحداثة لدى المثقفين والكتاب العرب بصفته العقل الذي يسيطر على الطبيعة ويتحكم بها. أنه العقل الحداثي المتحرر من الخرافة كما يردد بعض المثقفين العرب بصورة غير ناقدة ودون تعمق في الجذور اللاهوتية للحداثة الغربية.
الثقة بالعقل بصفته مصدر أول للمعرفة لا تعني بالضرورة التحرر من قيود التراث والخرافة، فالإيمان بالعقل قد يكون له طابعه الأسطوري وجذوره اللاهوتية التي تؤمن بوحدة الوجود والحلول أو الحلولية حسب تعبير المفكر المصري عبدالوهاب المسيري الذي يقول عنها: «الحلولية الكمونية الواحدية هي مذهب الحلول أو الكمون القائل بأن كل ما في الكون: الإله والإنسان والطبيعة مكون من جوهر واحد لأن الخالق حل في مخلوقاته وأصبح كامنا فيها وامتزج وانصهر وتوحد معها» وفلسفة هيجل عن الروح المطلق وروح التاريخ متداخلة بشكل كبير مع عقيدة وحدة الوجود إن لم تكن تفسيرًا لها.
هل الإنسان قادر فعلًا على السيطرة على الطبيعة؟ وهل تتضمن مقولة «سيطرة الإنسان على الطبيعة» التي تعد عنوانًا للحداثة، على أشكال من الأسطورة، وهل لها جذور لاهوتية بشكل أو بآخر؟ في كتابه «دين الفطرة» يقول جان جاك روسو متحدثا عن قوانين الطبيعة: «هذه القوانين ليست أشياء حقيقية، شخوصًا قائمة بذاتها، بل لها أصول مغايرة لها ومستورة عني. اكتشف بالاختبار وبالتأمل قوانين الحركة، لكن هذه القوانين تدلنا على النتائج لا على الأسباب. فلا تكفي لفهم نظام الكون وسير العالم». يدل كلام روسو أن الإنسان مهما تقدم في العلم فإنه لا يزال يجهل كثيرًا، ومسألة سيطرته على الطبيعة ليست في الحقيقة من نتاج عقله النير المتحرر بل تمظهرات ناتجة عن معتقداته وأساطيره التي يؤمن بها. فاعتقاد الإنسان أنه قادر على السيطرة على الطبيعة والتحكم بها تتضمن أجزاء وبقايا من معتقدات دينية قديمة في الثقافة الأوروبية القديمة تتمركز حول العقل.
مفهوم العقل يختلف باختلاف الثقافات والمعتقدات الدينية، وباختلاف نظرتها للكون والحياة، فالعقل الكوني والعقل المطلق والروح وروح التاريخ في الثقافة الغربية، كلها مفاهيم لها طابع أسطوري يؤمن بوجود عقل كلي مندمج في الطبيعة يبث النظام في جميع الأشياء في الكون ويتحكم بقوانينها ويسير حركتها، فالعقل الكلي متطابق مع الطبيعة لأنهما من جوهرين متشابهين. وهذا العقل الأسطوري نجده يتكرر كثيرًا في مقولات الحداثة لدى المثقفين والكتاب العرب بصفته العقل الذي يسيطر على الطبيعة ويتحكم بها. أنه العقل الحداثي المتحرر من الخرافة كما يردد بعض المثقفين العرب بصورة غير ناقدة ودون تعمق في الجذور اللاهوتية للحداثة الغربية.
الثقة بالعقل بصفته مصدر أول للمعرفة لا تعني بالضرورة التحرر من قيود التراث والخرافة، فالإيمان بالعقل قد يكون له طابعه الأسطوري وجذوره اللاهوتية التي تؤمن بوحدة الوجود والحلول أو الحلولية حسب تعبير المفكر المصري عبدالوهاب المسيري الذي يقول عنها: «الحلولية الكمونية الواحدية هي مذهب الحلول أو الكمون القائل بأن كل ما في الكون: الإله والإنسان والطبيعة مكون من جوهر واحد لأن الخالق حل في مخلوقاته وأصبح كامنا فيها وامتزج وانصهر وتوحد معها» وفلسفة هيجل عن الروح المطلق وروح التاريخ متداخلة بشكل كبير مع عقيدة وحدة الوجود إن لم تكن تفسيرًا لها.