محمد السعد

ليس سرا الآن القول بأن العالم يشهد حربا تجارية عالمية بين الولايات المتحدة والصين عنوانها الأبرز هو «سياسة الحمائية التجارية»، التي يبدو أنها الملاذ الأمريكي والأوروبي، لكبح جماح المارد الصيني الذي أصبح يغزو الأسواق الأمريكية والأوروبية من كل اتجاه.

كانت بعض الدول الغربية تتبع سياسات حمائية مُقنعة وغير مباشرة، كي لا تتصادم مع مبادئ منظمة التجارة العالمية التي تدعو إلى التحرير الكامل للتجارة الدولية بين الدول الأعضاء، وإزالة القيود والعوائق كافة من أمام حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال، لكنها أخذت تلوذ بسياسات حمائية مباشرة، مثل فرض رسوم جمركية على السلع الصينية على وجه التحديد.

تسعى السياسة الحمائية إلى حماية الأسواق المحلية من غزو الواردات الأجنبية، وعرقلة حركة التجارة بين الدول، في سبيل حماية الصناعة المحلية من المنافسة الأجنبية.

ويبدو أن أساليب الحمائية المُقنعة لم تكن كافية لإيقاف زحف الصناعة الصينية، فالمارد الصيني اليوم قادر على تجاوز عراقيل الحمائية غير الجمركية، مثل وضع معايير واشتراطات صحية وتقنية معقدة للغاية، وهذا سيؤدي بطبيعة الحال إلى خلق أزمات اقتصادية عميقة ومعقدة لدى الدول الغربية التي أخذت تخالف مبادئ منظمة التجارة العالمية، وبدأت عمليا في فرض رسوم وتعقيدات جمركية مبالغ فيها، في سبيل إنقاذ أسواقها من سياسيات الإغراق التي تنتهجها الصين.

كيف توازن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بين قوانين ومبادئ منظمة التجارة العالمية وبين حماية حدودها التجارية من غزو السلع الصينية؟.

هذه الموازنة، وما تتضمنها من سياسات حمائية، ستكون عنوانا للحروب الدولية القادمة، لكن معارك الأسواق وحمايتها، معارك صامتة خفية، لا يشعر بها عامة الناس، تستعمل أساليب الرقابة على الأسعار والتراخيص والحصص، والقيود على التوزيع والملكية الفكرية، بالإضافة لأساليب أخرى تبدو في ظاهرها إنسانية، إذ ترمي لحماية الإنسان أو الحيوان من خطر المواد المضافة أو الملوثات، من خلال الرقابة الصارمة على المنتجات المستوردة، في سبيل كبح جماح المنافسة وفرض الاحتكار.

هذه الحرب التجارية الصامتة التي يعيشها العالم اليوم بين الولايات المتحدة والصين، والتي عنوانها العريض هو «سياسة الحمائية التجارية»، سيكون لها أثر مستقبلي في بقية العالم، وستلقي بظلالها القاتمة على مستقبل العالم.

فلا شك أن الولايات المتحدة اليوم أصبحت تتبع سياسات حمائية في وجه الصين، والحكومة الصينية كانت لها ردود الأفعال المضادة على هذه التوجهات التي تتبناها الولايات المتحدة، وبدونها ستفقد القدرة على التنافسية أمام المارد الصيني الذي يبدو أنه ما زال يقاوم، وبكل كفاءة، بل ينجح في تخطي كل العراقيل الحمائية التي تقف في طريقه.

وُضعت منظمة التجارة العالمية في وضع حرج مع موقف الولايات المتحدة وبقية دول الاتحاد الأوروبي، التي أصبحت تتبنى نمطا واضحا وصريحا في سياساتها الحمائية، يتعارض، جملة وتفصيلا، مع كل مبادئ وأهداف المنظمة الدولية الساعية للتحرير الكامل لحركة التجارة، وإزالة أي قيود وعوائق تقف في طريق حركة السلع ورؤوس الأموال.

هذا يعني - بطبيعة الحال - أن العالم يشهد حربا تجارية عالمية، أخذت شكلها الصريح في ظل حكومة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب، وتوجهاتها الحمائية الواضحة، حيث فرضت رسوما جمركية على الواردات الأمريكية من الفولاذ والصلب القادمة من الصين تحديدا، مما يعني أن الولايات المتحدة تدخل في تجارة غير عادلة مع الآخرين، والصين لن تقف موقف المتفرج أمام هذه المعادلة غير المتوازنة.

وكوننا نعيش في عصر السوق ومجتمعه الاستهلاكي، ونتبنى جل قيمه ومبادئه، فكيف سيكون أثر الحرب التجارية الباردة في حياتنا وثقافتنا وعاداتنا اليومية، في حال خرج الصراع التجاري بين القوى العظمى عن دائرة الصمت، وأخذ يؤثر فعليا في نمط حياتنا؟.

إن الحديث المتكرر عن نهاية نظام عالمي قديم، ونشوء نظام عالمي جديد، هو رد فعل مصاحب للسياسة الحمائية العالمية بين القوى العظمى، والمنتصر سيضع له موطئ قدم في ساحة النظام العالمي الجديد.