قبل الحديث عن المعركة الكونية بين الرجال والنساء، والعداء التاريخي المتخيل بين الذكورة والأنوثة، يلزمنا أولا تسليط الضوء على مصطلح «الذكورة» أو وصف «الإنسان الذكوري» من وجهة نظر الناقد الأدبي صاحب النزعة الشعوبية. فكما أسلفنا في مقالة سابقة أنه وصف مؤلم وشتيمة قاسية، فالشخص الذكوري يشبه مصاصي الدماء، ويتحلى بصفات الزومبي، وهو العدو التاريخي للنساء من وجهة نظر شعوبية، فأحذر يا عزيزي القارئ أن يصفك أحدهم بـ«الذكوري». إنه اعتلال في الصحة النفسية، وقصور في الإمكانات العقلية، ومرض عصابي، يصعب علينا تمييزه أو علاجه، وبالتالي الثقافة الذكورية حين تتفشى في مجتمع ما، فإنها الدليل القاطع على مرض المجتمع ووحشيته وأنانيته، من وجهة نظر الناقد النسوي السوبرمان.
لذلك يطيب للناقد النسوي الشعوبي توظيف مصطلح «الذكورية» في حرب الطواحين التي يخوضها ضد التراث العربي، لعلاجه من أعراض مرض الذكورية المستفحل. الناقد النسوي دائما يقدم نفسه بصفته طبيبا ثقافيا، يعالجنا من متلازمة الذكورية، ويمنحنا بعطفه وإنسانيته العلاجات الثقافية من أمراض الذكورية، التي تسبب فيها تراث العرب المتوحش. نحن يا سادة محاطون بكل أسباب ومسببات مرض الذكورية، فعلم النحو يدونه «النحوي الذكوري»، وكتب الفقه ترضخ للمنهج الذكوري، والشعر مكتوب بمشاعر وأحاسيس الذكور، والكتب المقدسة مفسرة بواسطة سلطة ذكورية متزمتة، واللغة التي تلهج بها ألسنتنا اختطفها الذكور من أيدي النسوة، وقاموا بتوظيفها في حربهم الأزلية ضد النساء. المرأة في التراث العربي - كما يعتقد الناقد الشعوبي - خاضعة لكل أنواع التسلط الذكوري، وكل ما يحيط بها ليس إلا مؤامرة منظمة يحيك خيوطها الذكور الأشرار ضد الأنوثة.
الكرم العربي صفة أخلاقية جميلة دخلت موسوعة الأمراض الذكورية، وصارت سلاحا ذكوريا فتاكا ضد المرأة اللوامة التي تلوم زوجها الكريم، لأنه يبدد قوت عياله، للفوز بلقب «الكريم». الكرم من منظور شعوبي حديث رمز للذكورة، كما هي صفات أخرى مثل الإيثار والشجاعة، وما خاضوه من حروب ربطوه قسريا بالجنس والعلاقات الحميمية بين الذكر والأنثى، لإعطاء إيحاء بأن التراث كله قائم على مبادئ ذكورية خالدة، لا علاج لها سوى القطيعة مع التراث وثقافته المتوحشة. ولك أن تتخيل أن عمود القصيدة في الشعر العربي هو الآخر دخل معجم الذكورة، فالناقد النسوي يسميه «عمود الفحولة»، كي يبرهن على ذكوريته، ووصف «الفحولة» لا يقل وحشية عن وصف «الذكورة». وكي تكتمل النكتة النسوية، كسرت الشاعرة نازك الملائكة عمود القصيدة، لكي تنتقم من الذكور الأشرار سارقي اللغة، وتؤسس للقصيدة الحداثية التي فتحت الباب على مصراعيه لجيوش النساء المبدعات لكتابة الشعر، بعدما سرقت اللغة من أفواه الرجال المستبدين.
هكذا يصور لنا الناقد النسوي الشعوبي تراث الحضارة العربية الإسلامية العلمي والأدبي، ويختلق عداء تاريخيا بين الذكورة والأنوثة. اختراع وهمي اخترعه الناقد النسوي من وحي خياله، واقتنع بصحته ووجوده، فأخذ يبحث وينقب في كتب التراث عن دلائل تؤيد صحة افتراضاته الخيالية، فكل ما يقال عن ذكورية الأدب العربي قائم على التلفيق والقراءة الاعتباطية، والعشوائية في إطلاق الأحكام، والانتقائية في تقديم الأدلة والبراهين. إنها نزعة عدائية وظاهرة اجتماعية تستحق الدراسة والاهتمام، ونستطيع تمييزها بوضوح في أقسام اللغة والأدب في الجامعات العربية، كون هذه الأقسام تتعامل بشكل مباشر مع تراث الثقافة العربية في دراساتها ومؤلفاتها.
محاولة تصوير الرجل والمرأة على أنهما نوعان منفصلان من البشر، وكل نوع يكيل المؤامرات للنوع الآخر، ويحاول أن يوظف الأدوات الثقافية لإقصاء الآخر، لا تقوم على أسس موضوعية، فالمجتمع الإنساني الطبيعي ليس إلا تشاركا طبيعيا بين الذكورة والأنوثة، ولا أفضلية للذكور على الإناث أو الإناث على الذكور، فكلاهما يدفع المجتمع الإنساني للكمال والتطور والازدهار. وتلك الحرب الكونية بين الذكور والإناث لا وجود لها إلا في خيالات وأوهام الناقد النسوي، قدس الله سره. وفي كتابه «الجسد والوجود»، يقول الباحث الأردني معاذ بني عامر: «البناء الحضاري ليس بناء ذكوريا صرفا أو بناء أنثويا صرفا، إنما هو فعل تشاركي بالأساس بين ذكورة وأنوثة على أساس أن الكون وثيقة تشاركية، زوجية، تلاقحية بين ذكورة وأنوثة، ولاحقات هذا الكون هي استطراد جسدي تزاوجي بالضرورة، والتعددية المتخلقة عن وضع تزاوجي هي تعددية إنسانية بالدرجة الأولى».
وجودنا الإنساني قائم على التشاركية بين النساء والرجال، وجود يقوم على المودة والرحمة، وليس التنافس والتناحر، ولا وجود لحرب كونية ثقافية بين الجنسين، فالثقافة تتحدد تبعا لتطور الاقتصاد الذي يحدد بدوره نوعية المساواة بين الجنسين، لأن نمط الاقتصاد يكيفنا، ويخلق ثقافتنا، ويحدد أدوارنا في المجتمع والحياة، وليست اللغة المسروقة وعمود الفحولة في الشعر أو النحو والأدب الذكوري، الذي يهيمن عليه ويكتبه الفحول، أصحاب النزعة الذكورية الشريرة.
لذلك يطيب للناقد النسوي الشعوبي توظيف مصطلح «الذكورية» في حرب الطواحين التي يخوضها ضد التراث العربي، لعلاجه من أعراض مرض الذكورية المستفحل. الناقد النسوي دائما يقدم نفسه بصفته طبيبا ثقافيا، يعالجنا من متلازمة الذكورية، ويمنحنا بعطفه وإنسانيته العلاجات الثقافية من أمراض الذكورية، التي تسبب فيها تراث العرب المتوحش. نحن يا سادة محاطون بكل أسباب ومسببات مرض الذكورية، فعلم النحو يدونه «النحوي الذكوري»، وكتب الفقه ترضخ للمنهج الذكوري، والشعر مكتوب بمشاعر وأحاسيس الذكور، والكتب المقدسة مفسرة بواسطة سلطة ذكورية متزمتة، واللغة التي تلهج بها ألسنتنا اختطفها الذكور من أيدي النسوة، وقاموا بتوظيفها في حربهم الأزلية ضد النساء. المرأة في التراث العربي - كما يعتقد الناقد الشعوبي - خاضعة لكل أنواع التسلط الذكوري، وكل ما يحيط بها ليس إلا مؤامرة منظمة يحيك خيوطها الذكور الأشرار ضد الأنوثة.
الكرم العربي صفة أخلاقية جميلة دخلت موسوعة الأمراض الذكورية، وصارت سلاحا ذكوريا فتاكا ضد المرأة اللوامة التي تلوم زوجها الكريم، لأنه يبدد قوت عياله، للفوز بلقب «الكريم». الكرم من منظور شعوبي حديث رمز للذكورة، كما هي صفات أخرى مثل الإيثار والشجاعة، وما خاضوه من حروب ربطوه قسريا بالجنس والعلاقات الحميمية بين الذكر والأنثى، لإعطاء إيحاء بأن التراث كله قائم على مبادئ ذكورية خالدة، لا علاج لها سوى القطيعة مع التراث وثقافته المتوحشة. ولك أن تتخيل أن عمود القصيدة في الشعر العربي هو الآخر دخل معجم الذكورة، فالناقد النسوي يسميه «عمود الفحولة»، كي يبرهن على ذكوريته، ووصف «الفحولة» لا يقل وحشية عن وصف «الذكورة». وكي تكتمل النكتة النسوية، كسرت الشاعرة نازك الملائكة عمود القصيدة، لكي تنتقم من الذكور الأشرار سارقي اللغة، وتؤسس للقصيدة الحداثية التي فتحت الباب على مصراعيه لجيوش النساء المبدعات لكتابة الشعر، بعدما سرقت اللغة من أفواه الرجال المستبدين.
هكذا يصور لنا الناقد النسوي الشعوبي تراث الحضارة العربية الإسلامية العلمي والأدبي، ويختلق عداء تاريخيا بين الذكورة والأنوثة. اختراع وهمي اخترعه الناقد النسوي من وحي خياله، واقتنع بصحته ووجوده، فأخذ يبحث وينقب في كتب التراث عن دلائل تؤيد صحة افتراضاته الخيالية، فكل ما يقال عن ذكورية الأدب العربي قائم على التلفيق والقراءة الاعتباطية، والعشوائية في إطلاق الأحكام، والانتقائية في تقديم الأدلة والبراهين. إنها نزعة عدائية وظاهرة اجتماعية تستحق الدراسة والاهتمام، ونستطيع تمييزها بوضوح في أقسام اللغة والأدب في الجامعات العربية، كون هذه الأقسام تتعامل بشكل مباشر مع تراث الثقافة العربية في دراساتها ومؤلفاتها.
محاولة تصوير الرجل والمرأة على أنهما نوعان منفصلان من البشر، وكل نوع يكيل المؤامرات للنوع الآخر، ويحاول أن يوظف الأدوات الثقافية لإقصاء الآخر، لا تقوم على أسس موضوعية، فالمجتمع الإنساني الطبيعي ليس إلا تشاركا طبيعيا بين الذكورة والأنوثة، ولا أفضلية للذكور على الإناث أو الإناث على الذكور، فكلاهما يدفع المجتمع الإنساني للكمال والتطور والازدهار. وتلك الحرب الكونية بين الذكور والإناث لا وجود لها إلا في خيالات وأوهام الناقد النسوي، قدس الله سره. وفي كتابه «الجسد والوجود»، يقول الباحث الأردني معاذ بني عامر: «البناء الحضاري ليس بناء ذكوريا صرفا أو بناء أنثويا صرفا، إنما هو فعل تشاركي بالأساس بين ذكورة وأنوثة على أساس أن الكون وثيقة تشاركية، زوجية، تلاقحية بين ذكورة وأنوثة، ولاحقات هذا الكون هي استطراد جسدي تزاوجي بالضرورة، والتعددية المتخلقة عن وضع تزاوجي هي تعددية إنسانية بالدرجة الأولى».
وجودنا الإنساني قائم على التشاركية بين النساء والرجال، وجود يقوم على المودة والرحمة، وليس التنافس والتناحر، ولا وجود لحرب كونية ثقافية بين الجنسين، فالثقافة تتحدد تبعا لتطور الاقتصاد الذي يحدد بدوره نوعية المساواة بين الجنسين، لأن نمط الاقتصاد يكيفنا، ويخلق ثقافتنا، ويحدد أدوارنا في المجتمع والحياة، وليست اللغة المسروقة وعمود الفحولة في الشعر أو النحو والأدب الذكوري، الذي يهيمن عليه ويكتبه الفحول، أصحاب النزعة الذكورية الشريرة.