واستمتعت بقراءتها، وحين انتهائي بحثت عن مراجعات للكتاب على شبكة الإنترنت، وماذا قيل عنه لأكتشف تحويله إلى مسلسل تليفزيوني أنتج وعرض عام 1979، مباشرة بدأت في مشاهدة الحلقات بكل شغف حتى انتهيت منها، الحقيقة أن مشاهدة المسلسل جعلتني وكأني قد أعدت قراءة الكتاب من جديد، ولكن بأسلوب مختلف وزاوية أخرى، حيث إن تعاضد البصري مع المكتوب يرسخ الأفكار والأهداف المنشودة أكثر وأكثر في ذهن القارئ، ويجعل المكتوب أكثر إمتاعًا بسبب هذا التحويل وهذه المقاربة الواعية، ولم يكن هذا العمل لينجح لو أن هناك فجوة بين المكتوب والمُشاهد، ولكن ترابط الأفكار والأحداث وصياغتها وتحويلها لعمل درامي عزز من نجاح الكتاب.
هذا العمل طرأ عليَّ وناقشته على هامش لقائنا الجميل الملهم في ديوانية القلم الذهبي مساء الأربعاء 26 فبراير 2025، والذي كان بعنوان: «الرواية ملهمة السينما» بحضور عدد من الزملاء الكتاب والمخرجين والمنتجين والسيناريست والفنانين والمهتمين بالمجال الأدبي والدرامي، ودار الحوار عن بعض المحاور، مثل إيجابية تحويل الروايات إلى أعمال مشاهدة، وبأنها مصدر مهم لنجاح الأعمال الدرامية، وعن أهمية ورش الكتابة المكثفة، وإشكاليات الإنتاج وقوانين الملكية الفكرية، وغيرها من المحاور.
وطرحت حينها سؤالاً على الحاضرين: «هل يلزم لإنجاح العمل الدرامي أن يكون المخرج ملمًا بكثير من تفاصيل الرواية؟ أم أن اكتفاءه بالفكرة الرئيسة مع إهمال الكثير من التفاصيل كاف لإنجاح العمل؟، واتفق الجميع على أهمية إلمامه بالرواية بكل جوانبها، بل رأى بعضهم وجوب إطلاعه على كل مؤلفات الكاتب الأصلي.
الحقيقة أن المخرج ليس وحده من يقع عليه مسؤولية نجاح العمل الدرامي، بل حتى كتاب السيناريو لابد أن يكونوا ملمين بالرواية الأصلية من كل جوانبها، فنجاح مسلسل مثل «على هامش السيرة»، الذي تحدثت عنه في مستهل المقالة، لم يكن لينجح لولا وعي المخرج وكاتبة السيناريو والحوار بتفاصيل الكتاب وتقاطعاته، صحيح أن العمل الدرامي عمومًا مختصر أكثر من المكتوب، ولكن ترابط الأفكار والحوارات وترابط الأحداث، بحيث لا تقفز فوق بعضها ولا تتداخل بشكل غير مفهوم، إضافة للاحتفاظ بالفكرة الرئيسة طوال العمل، واستحضارها بشكل مستمر، مع القدرة على الاحتفاظ بالمشاهد وشده للتطلع إلى محتوى العمل؛ كيف ستكون الحوارات بعد انتقالها من النص المكتوب إلى البصري، وكيف سيكون تأثير الزمكان والبيئة المحيطة والملابس وردود الأفعال والانفعالات على الممثلين، وقدرتهم على التماهي مع ما كان مكتوبًا.. إلخ، كل ذلك يجعل نسبة نجاح تحويل الروايات لأعمال درامية نسبة عالية ليشعر القارئ المتلقي حينها بأنها لا تختلف كثيرًا عن النصوص وما بين السطور.
مما سبق نجد أن التعاون المشترك بين الكاتب الأصلي والمخرج والسيناريست يؤدي لنجاح الرواية المكتوبة عند تحويلها للأعمال الدرامية، سواء كانت مسلسلات أو أفلامًا سينمائية، وحين تكون الرواية متكاملة الأركان ويكون كاتب السيناريو والمخرج واعين وملمين لفكرة الرواية الرئيسية وأحداثها وتفرعاتها وحواراتها المترابطة وكثير من العناصر المهمة دون إخلال مؤثر في بنيتها، حينها تكون سلطة المخرج؛ لأن هناك لمسات فنية بصرية وإبداعية في العمل الدرامي، وتفاصيل هي من تخصصه وصميم عمله ولا يسبر أغوارها غيره، وحينها كذلك يكون هو المسؤول الأول عند التعثر أو وجود الأخطاء التي تشوه هذا التحويل، الذي يجعل المشاهد يتمنى لو أنه اكتفى بالنص المكتوب.