قبل أن نفكّر في إجاباتٍ لهذه الأسئلة، دعونا نتخيّل صورةً أكبر: في سياق متابعةٍ لهذه التقارير الأعوام السابقة، ماذا لو كان لدينا تقارير مماثلة للتقارير الأمريكية، تبرز فيها التوقعات الصينية؟ والروسية، والهندية، والأوروبية وغيرها؟، خاصةً مع ترافق تراجع الدور الأمريكي نسبيًا في الشرق الأوسط، بين حينٍ وآخر، وصعود قوى مؤثرة.
لا شكّ أن أمريكا بما تمتلك من معلومات ضخمة، وقدرات تقنية واستخباراتية تُسهِّل عليها الاستشراف، هي الأقدر على هذه العملية المهمة، والتي قد تكون «موجَّهة»، وتحاول فيها تسيير العالم وفق رؤيتها.
اطلعتُ على قراءة صينية استشرافية للأعوام القادمة، لم تتبناها جهة رسمية، وإنما تعبر عن آراء خبراء وأكاديميين، ومثل هذه القراءات بطبيعة الحال لا يمكن أن تلق الرواج الذي لاقته الرؤية الأمريكية التي تتلقفها مراكز الفكر، ومراكز البحوث والدراسات، وتبني عليها، فمن باب أولى وجهات النظر الأخرى لباقي الدول الصاعدة كالهند وبنجلاديش، وغيرها من دول آسيا وخاصة دول الخليج العربي، وهناك رؤية للعالم الفرنسي، جاك أتالي، حول من سيحكم العالم في الخمسين عامًا المقبلة؟ نُشرت في اندبنت عربية في سبتمبر 2023م.
ماذا عن السعودية؟
يتزايد الثقل السعودي يومًا بعد يوم، والحضور الدولي للمملكة العربية السعودية وفق رؤيةٍ واضحة وطموحة 2030، تُركّز على مكامن القوة للمملكة، وتعزيز ريادتها عالميًا، فلِمَ لا تُقدّم المملكة العربية السعودية من واقع قوتها، وقدراتها التقنية والمعلوماتية، وسياستها الخارجية المتزنة المبنية على خطابات معتدلة، لم لا تقدّم رؤية استشرافية للاتجاهات العالمية بشكل دوري؟.
يتيح هذا المقترح:
تعزيز الدور السعودي في الريادة العالمية، والتموضع من زاوية تقديم الدولة في صورة دولةٍ منتجةٍ للمعلومة الإستراتيجية، ومشارٍكة فيها إستراتيجيًا، لا كدولة مستهلكة لها.
يعزز مثل هذا النشاط من العلاقات الخارجية للمملكة، بصورة أوسع، ويُظهرها بصورة أقوى -كقوة ناعمة- متكئة على معلومات وتحليلات ورؤية استشرافية مُعلَنة.
كما تُسهم مشاركة مثل هذه التقارير الصادرة عن السعودية في تشجيع وتحفيز مراكز الفكر السعودية للتنافس في تقديم رؤى مساعدة لصناع القرار، وبخاصة فيما يتعلق بالمسائل الاقتصادية والسياسية والعلاقات الخارجية، والأمن الوطني، وتدعم الرؤية الاستشرافية بشكل دوري بالبناء عليها، ومناقشتها، وتحليلها والإضافة عليها.