الصراع ضد منظمات حماية البيئة بات من أكبر التحديات التي تواجه شركات الطاقة والنفط حول العالم اليوم، وهاجسًا يقلق قادة الدول. المنظمات المهتمة بحماية البيئة تتهم شركات التصنيع والبتروكيماويات بأنها مسؤولة عن إلحاق الضرر بالطبيعة وتهدد مستقبل الأجيال. وكثير من الدراسات تطرح تنبؤات متشائمة عن مستقبل الحياة على كوكب الأرض، والأعمال الأدبية والسينمائية وظفت فكرة نهاية العالم والبحث عن كوكب بديل بعد تعذر العيش على الأرض.

يمكن النظر لهذه الاعتراضات المتكررة بأنها ذات دوافع سياسية ولها أبعاد علمية، ولكن يمكن النظر لها من زاوية مغايرة، فنحن نغفل المشاعر الدينية التي يحملها الأفراد للطبيعة في الثقافة الغربية. فشركات النفط والبتروكيماويات ــ من وجهة نظرهم ــ لا تضر النظام البيئي وتدمر الطبيعة وحسب، بل تدنس قداسة الكون والطبيعة أو تتطاول على الله. عبادة الطبيعة في الموروث الأوروبي يمكن قبولها كإطار لفهم الأساس الديني للأخلاق البيئية أو اللاهوت البيئي بتعبير آخر. ويترتب على ذلك موقف أخلاقي يحدد علاقتنا بالطبيعة والكون.

موقف الشعوب الأوروبية المتشنج ضد شركات الطاقة ليس علميًا محضًا، فهو يضمر مشاعر دينية عميقة تجاه الطبيعة. وعلى شركات الطاقة مراعاة هذا الجانب المهم في تعاطيها مع قضايا البيئة التي تثيرها منظمات وأفراد غاضبون حول العالم لا يتوقفون عن رفع اللافتات وتنظيم الحشود والمظاهرات وأحيانا إعاقة حركة السير. تلويث البيئة بالمخلفات الصناعية والمواد الكيماوية من الناحية العلمية سلوك مدمر للبيئة ولكنه من ناحية أخرى يمثل إساءة دينية لبعض الشعوب والثقافات، البيئة التي تحيط بنا ليست مجرد كيان مادي يمكن استغلاله وتوظيفه بشكل محايد في خدمة البشرية، فهي مسكونة بالأرواح والآلهة والسحر والمساس بقدسيتها يشبه إلى حد ما المساس بقدسية الأماكن المقدسة ودور العبادة عند أتباع الأديان السماوية، وبالتالي فاستجابة الشعوب للعلم ومنتجاته متفاوتة بتباين المعتقدات الدينية واختلافاتها الجوهرية.


تحرير فكرة الألوهة عن قوى الطبيعة يبدو مستحيلا أحيانًا فالناس لا تتخلى عن معتقداتها بسهولة، والعقيدة التي ترى في الألوهية جزءًا من القوى الطبيعية والكونية أو تمثيلا لها شائعة في القارة الأوروبية ومن خلالها يفسرون حركة الطبيعة والنفس معًا، ويحقق الإنسان من خلالها انسجامه الداخلي والخارجي معًا. وفق هذه العقيدة الإله داخل الطبيعة وجزء متحرك فيها، إنه جزء من التاريخ وحركته، لذلك بقيت الطبيعة غير متحررة من الغشاوة السحرية والسرية، وكل ما يحيط بحواسنا من سماء وكواكب ونباتات وحيوانات يعد حاملا للاعتقادات الدينية التقليدية، فشركات الطاقة والتصنيع حول العالم تعاملت مع الطبيعة بعد نزع الألوهة عنها وتجريدها من القداسة القديمة، وبالتالي أنزلت الطبيعة من مكانتها إلى مستوى متدن باعتبارها مادة سائبة وقابلة للاستعمال.

أخلاقيات البيئة التي ترفع شعارها منظمات دولية حول العالم وتتظاهر بالخوف على مستقبل الأجيال لم تتحرر بعد من موروثاتها الدينية القديمة، ونشاطها غالبًا لا يتجاوز محاولات الإحياء الديني، ولذلك يجب أن نراعي الجانب الديني عند طرح وجهات نظر مخالفة أو وجهات نظر لا تتعاطى مع البيئة باعتبارها مقدسة وحاملة للأسرار الإلهية.