قال رسول الله ﷺ: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي». في هذا الحديث النبوي يؤكد صفوة الخلق على مبدأ أساسي في حياة كل أسرة، وهو أهميتها وبناؤها ورعايتها. ومعنى الحديث أن يكون خيركم يعني رعايتكم واهتمامكم وحرصكم على أهلكم، وذلك يشمل الجوانب المادية والنفسية والاجتماعية. وهذا المبدأ يكون لكل رب أسرة، فهو مسؤولية عظيمة ومصدر خير وبركة للفرد والمجتمع.

في هذا الزمن الذي تعددت وتعقدت فيه أمور الحياة، أصبح اهتمام رب الأسرة منصبًا على توفير النواحي المادية فقط، ما أدى إلى ظهور تقصير واضح في الأمور الأخرى، مثل الرعاية النفسية والاجتماعية لأفراد الأسرة. ولم يقتصر التقصير على الآباء، بل حتى الأمهات أصبحن منشغلات بأمور خارج حدود الأسرة، ما أثر بشكل ملحوظ في استقرار الأسرة وتماسكها. وكلنا يعلم أن الأسرة هي المكون الأساسي للمجتمع، فإذا كانت الأسرة مبنية بشكل صحيح على أسس أخلاقية واجتماعية وصحية وبيئية جيدة، فإنها تعد مصدرًا رئيسيًا لاستقرار المجتمع وازدهاره. وقد أجمع الفلاسفة بمختلف اللغات والثقافات على أن الأسرة هي المنطلق الأساسي لتطوير البشرية وتحقيق السعادة العامة.

مملكتنا الغالية أولت الأسرة كل الاهتمام، ومن ضمن اهتماماتها الجانب الصحي، فأنشئت مراكز الرعاية الصحية الأولية التي لا يخلو منها حي من أحياء مدننا الغالية، بل امتد ذلك إلى القرى والمناطق النائية كافة. وهذا دور مميز يعكس الرؤية الحكيمة لقيادتنا الرشيدة في تحقيق التنمية الشاملة. حيث تقدم هذه المراكز رعاية صحية متكاملة تشمل الأسرة بكاملها. يبدأ هذا الاهتمام منذ مرحلة الحمل وحتى الولادة، ثم يستمر ليشمل الأطفال والشباب وكبار السن. وتشهد الأرقام والإحصائيات على هذا التطور الملحوظ في القطاع الصحي، حيث تمتلك كل أسرة ملفًا صحيًا متكاملًا يُسجل فيه كل التفاصيل المتعلقة بصحتها، مما يسهل متابعة الحالات وتقديم الخدمات المناسبة.


كلنا أمل أن تلحق بمراكز الرعاية الصحية وحدات رعاية أسرية متخصصة، تشمل جميع أفراد الأسرة، تُعنى بمعالجة المشاكل الاجتماعية والنفسية، وتعمل على بناء أسرة متماسكة ومستقرة. فمن المهم أن تكون هذه المراكز ملجأ لكل فرد من أفراد الأسرة، بحيث تساهم في حل مشكلاتهم منذ بدايتها، سواء كانت اجتماعية أو نفسية، عن طريق متخصصين في الطب النفسي والاجتماعي.

وجود هذه المراكز يتيح معالجة القضايا بشكل استباقي قبل أن تكبر وتؤثر سلبًا في استقرار الأسرة. كما يجب أن تكون لهذه المراكز الصلاحية للتعاون مع الجهات الرسمية لمعالجة أي تهديد يواجه الأسرة، سواء كان من الأب أو الأم أو الأقارب، أو بسبب سوء الأحوال المعيشية والحياتية، أو نتيجة الإهمال والتقصير في أداء الواجبات.

إنشاء مراكز الدعم النفسي والاجتماعي هو خطوة ضرورية لتعزيز استقرار المجتمع، حيث تُسهم في تقديم الحلول الفعالة للمشكلات الأسرية، وتدعم جهود لجان إصلاح ذات البين في المحاكم واللجان التطوعية. هذه الخطوة تضمن أن يكون التدخل سريعًا ومناسبًا، كما تسهل وصول جميع أفراد الأسرة إلى الدعم اللازم في الوقت المناسب.

استقرار الأسرة لا ينعكس فقط على الأفراد، بل على المجتمع بأكمله، فهي المحرك الأساسي للتنمية والازدهار. ومتى ما توافرت الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية المناسبة للأسرة، فإن ذلك يضمن نمو أجيال قادرة على الإبداع والعطاء والمساهمة في بناء وطن قوي ومزدهر .