كانت الصحوة تعتمد في خطابها على نظام هرمي «شيخ وأتباع». الشيخ/ الداعية/ الناصح/ الخطيب يمثل رأس الهرم الذي يقود ويحرك الحشود. يعتبر الداعية قائدًا رمزيًا، حتى لو كان جاهلًا بالدين، المهم أن يُجيد الخطابة والتحدث إلى العوام وتحفيز الناس بالعبارات الرنانة. كان هذا النظام الهرمي مناسبًا لتلك المرحلة، حيث الوصول للمعلومة كان صعبًا في زمن لم يكن فيه جوال أو تقنية أو مواقع تواصل. لذلك، كان بعض رموز الصحوة مصدرًا للمعلومة الموثوقة ومرجعًا دينيًا معتمدًا. لم تكن هناك وسائل فيما بعد السبعينيات الميلادية تمكن الناس من التحقق من كل ما يقوله الداعية الصحوي.

في عصرنا الحالي، اختلف الوضع جذريًا، أصبحت المعلومة في متناول الجميع، لم يعد الداعية هو المصدر الوحيد للمعلومة الدينية. وارتفع الوعي بالحريات والفردانية حتى داخل الأوساط الشرعية. اتجه كثير من قيادات الصحوة والإخوان والمنظرين لهم إلى التفكير في إيجاد بديل للنظام الهرمي. إذ إن النظام الهرمي -بعد انتشار مواقع التواصل- انهار في فترة وجيزة. فبمجرد سقوط الداعية «رأس الهرم»، يتشتت الأتباع وتتناثر الحشود.

اقترح كثير من قيادات الصحوة والإخوان النظام «القاعدي» الجماهيري بديلاً للنظام «الهرمي» السابق. حيث لم يعودوا يريدون (رمزًا داعية) تتبعه الحشود. وجدوا في ذلك فشلًا ذريعًا بعد ما سمي بـ (الربيع العربي)، حيث أصبح الشباب مطلعين على الفلسفات والمذاهب الأخرى المختلفة، يستطيعون الوصول إلى المعلومة بكل سهولة في عصر شبكة المعلومات العنكبوتية. لم يعد في مقدور الصحوة السيطرة على الحشود الشابة كما السابق. وكما يؤكد عبدالله الغذامي، فإن الحشود هي السلاح الوحيد للصحوة. بدونهم، الصحوة مجرد سراب. لذلك، اتجهوا إلى النظام «القاعدي» الجماهيري كبديل. وبالفعل، فإن الصحوة بلا حشود لا تستطيع تحقيق أهدافها السياسية والاجتماعية.


لو لاحظنا مؤخرًا، نجد كثيرًا من دعاة الصحوة الجدد يرفضون لقب «شيخ» أو «داعية». ويخبرون مريديهم بأنهم لا يحبون كلمة «شيخ»، ولا يرغبون في أن يطلق عليهم هذا اللقب، حتى لو من باب التقدير. أصبح هدفهم هو تكوين قاعدة جماهيرية من الأتباع الذين يملكون أدوات الدعاة السابقين نفسها. يعلمونهم الشريعة والحِجاج والمنطق، ويدرسونهم اللاهوت - بعد أن كان محرمًا - ويعرضون لهم سياسات العالم الحديث. أصبح الطالب الشاب الناشئ أو المراهق هو استثمار الصحوة الجديدة «القاعدية».

ينقل بعض من أتباع الصحوة والإخوان هذا النظام «القاعدي» من المصري عبد الوهاب المسيري. حيث ألهمهم هذا التوجه القاعدي الذي يناسب العصر «الديمقراطي» الحديث. إذ يرون أنهم إذا استطاعوا تكوين قاعدة جماهيرية من الأتباع «المقتنعين فلسفيًا بالصحوة»، سيكون لهم نجاح كبير في المستقبل، من وجهة نظرهم.

فلو كان 51% من الشعب (صحويين وإخوان) مقتنعين بدراية كافية، فسيكون التصويت لصالحهم في الدول الديمقراطية. أما في الدول الملكية المستقرة، فإنهم كذلك لا يستطيعون إثارة الفوضى وتجييش الشباب إلا بالنظام القاعدي الجماهيري الذي يستثمر في الأفراد الشباب أكثر من الرموز. لذلك نجدهم في السنين الأخيرة يعملون بجد واجتهاد في تقديم الصحوة فلسفيًا ومنطقيًا، وتنظيم دورات مكثفة ومتنوعة للأطفال والمراهقين. وأغلب تركيزهم على المراهقين لأنهم أقوى استثمار للأيديولوجيا، إذ إن المراهق إذا تأسس على عقيدة وهو مقتنع بها اقتناعًا كاملًا - بحدود تفكيره وعمره - فسيصعب جدًا مستقبلًا تغيير عقيدته أو تفكيره. هذا ما يجعل الصحوة الجديدة تدفع الغالي والنفيس من أجل تقديم الدورات المجانية، وتوفير المنصات التعليمية المتطورة لكل الشباب الناشئ.