كان المخيال العربي مثل المخيال الإنساني في كل الحضارات يحفل بالأرواح والغيبيات والكائنات الخرافية ،فالتدين كان في الأغلب وليد القبيلة ونتاج المجتمع الجاهلي، فإن كانت القبيلة هي عماد الحياة الجاهلية وأساس النظام القبلي هي العصبية، فنجد لشيخ القبيلة السلطة لحمل القبيله على دين وشعائر معينة، وقد يتشارك معه في السلطة الأفراد الذين يظهرون للمجتمع نبؤات و ظواهر خارقة.

فنجد في التراث الإسلامي السيد المطاع في مكة قصي بن كلاب أشهر زعيم في قبيلة قريش في عصر الجاهلية، فهو الذي جعل مكة موطناً لقريش بعد أن انتصرعلى خزاعة وهو صاحب دار الندوة الذي لايقضى لقريش أمر إلا فيه، وكانت له السقاية والسدانة والرفادة ولواء الحرب . كان لبعض السادة بالغ الأثر في بلورة المجتمع الجاهلي أمثال عمرو بن لحي الخزاعي الذي صار كاهنا له رأي من الجن، ويزعم أن الجن أشاروا له بجلب الأصنام. ذاع صيت عمرو الخزاعي بسبب جلبه الأصنام من الشام لمكة، فتقول المصادر أنه أول من بدل دين إبراهيم الحنيف بجلب الأصنام.

تقودنا القراءة التحليلية لنص التراث لفهم العقل الجاهلي الذي قبل بعبادة الأصنام، فخضوعه لعبادة الحجارة المادية في رمزيتها عن الإله، هو عدم قدرته على استيعاب الإله الميتافيزيقي.


فقد كان الإله في العقل الجاهلي يختلف من منطقة لأخرى، ومن قبيله لأخرى، ويتبلور في المخيال بناءا على مؤثرات خاصة، فقد كان تنوع الإله وتباين أدواره بناءا على نظرة الإنسان للإله وقضايا بيئته وتطور معارفه.

كان لقريش علم بلفظ -الله- قبل مجئ الإسلام فنجده في أشعارهم إلا أنهم استبعدوا أن يعبد الإنسان إلها واحدا فأدى هذا بهم إلى التعجب من التوحيد الذي جاء به الإسلام.

عانى التدين الجاهلي من ازدواجية بين المزج بين إله مجرد وإله مجسد، فهو يؤمن بالله ويؤمن بالآلهه المتعددة.

الاعتقاد والتصور لله عند عرب الجاهلية أنه الواهب للحياة والمطر، رب الكعبة خالق العالم، فقد كان الله معروفا عندهم بارتباطه بالبيت/ الكعبة، ولم يكن هو الإله الوحيد المطلق، إذ كان لكل قبيلة مجموعة من الآلهه الخاصة.

لقد ظن العرب أن الكاهن مقرب من الإله، حكيم يسمع لأمره، لما تظهر عليه من خوارق وعلم غيب وتنبؤات كان لها الأثر في خلق مكانة له مغايرة عن باقي أفراد المجتمع الجاهلي.

إذ لا يمكن فرض السيطرة والقوانين على الناس إلا من خلال اعتقادهم بأنها من مصدر ميتافيزيقي، والظاهر أن الوجود البشري لايقبل إلا باللجوء لقوة تفوقه في كل شي.

إن شكل المجتمع له تأثير في ماهية ما يعبد، فالمجتمع الصناعي يختلف عن مجتمع يعيش على الزراعة والصيد. فرمزية الشمس ارتبطت بالزراعة، وعلى النقيض عند الطبيعة الصحراويه التي دعت الجاهلي إلى عبادة السماء لأنها مصدر الماء. فكان له أيضا اعتقاد في الجن أنها مخلوقات مجردة لكنها قادرة على التشكل على هيئة حيوان أو إنسان، و اعتقاده في حياة ما بعد الموت ووضع الأشياء مع الميت من اوان فخارية وأسلحة حتى يستخدمها في حياته الاخرى.

الإله هبل الأعظم عند قريش، وكما تخبر عنه المصادر أنه وضع في جوف الكعبة، لفض قضايا النسب والتجاره والقداح، وعنده ضرب عبد المطلب بالقداح على أبنائه وفاءا لنذر الذبح بعد أن جعلت لهم العرافة سجاح خلاصا من الذبح الذي وقع على ابنه عبدالله والد النبي محمد.

قال ابن إسحاق: وقد كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت، وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة، لها سدنة وحجاب، وتهدي لها كما تهدي للكعبة، وتطوف بها كطوافها بها، وتنحر عندها، وهي مع ذلك تعرف فضل الكعبة عليها، لأنها بناء إبراهيم الخليل عليه السلام.

إن الجاهلي في شبة الجزيره كان له احتكاك بالمسيحية واليهودية والصابئة والمجوس، فلم يكن أهل مكه بعيدين عن التأثر بهذا البعد الديني.

إن المرويات التراثية تذهب إلى أن عرب الجاهليه تعبد إله واحدا أما بقية المعبودات فهي وسائط لتقرب لله فقد جاء النص القرآني مؤكدا لهذا.

فلعلنا نصل إلى أن الإشكاليه في توارث الرمز الطوطمي عند أفراد القبيلة، فيرتبط الإنتماء القبيله بالإنتماء لرمز، فيكون بذلك معتقدا موروثا يصعب تقييم صوابه لإحاطته بالقداسه.

وفي الصحيح عن أبي رجاء العطاردي قال : كنا في الجاهلية إذا لم نجد حجراً،جمعنا حثية من تراب ،وجئنا بالشاة فحلبناها عليه،ثم طفنا بها.

فالغالب على العقل الجاهلي اهتمامه بالصوره الرمز النائب عن الإله، أو الإله في ذاته احيانا، وإن كان هناك الذين رفضوا عبادة الأصنام ولم يعتنقوا المسيحية واليهودية وسمي اتباعها بالأحناف باقين على ملة إبراهيم.

ولعل العقل المعاصر يتجنب الخطأ الذي وقع فيه العقل الجاهلي بتعظيم الرمز الذي اعتقد في ذاته البشري بأنه نائب عن الإله، أو له مكانة خاصة عند الإله لما يظهره للعامة من خيالات، والاعتقاد في الأموات من مقدرة في قضاء المصالح. ولربما ظن العقل المعاصر أن الشرك محصوراً في عبادة الأصنام وحدها وما أختلف عنها فهو مقبول خارج عن نطاق الإشراك الإلهي.