مع انتهاء موسم الإجازات الطويلة، تبدأ معاناة كثير من الموظفين مما يمكن تسميته «اكتئاب ما بعد الإجازة»، وهي ظاهرة طبيعية ومنتشرة في جميع أرجاء العالم، فالتغيير في الروتين اليومي عقب الاسترخاء يسبب التوتر والقلق عند العودة إلى الروتين السابق، كما تشكل تلك العودة إلى العمل بعد الانفصال التام عنه إرباكا لدى الكثيرين، ومع فقدان السيطرة وتحكم الموظف بوقته وجدوله ونشاطه خلال الإجازة، تعني العودة إلى العمل التزامه بجدول زمني محدد وبمواعيد نهائية قد يحددها له الآخرون في مؤسسته.

وإضافة للمصاعب النفسية ثمة مصاعب جسدية لأن التحول من وضع العطلة إلى وضع العمل أمر صعب بالنسبة لجسم الإنسان، لأنه ما يزال في وضع استرخاء.

ولا يقتصر الأمر فقط على الموظف العائد من إجازته، إذ تعاني مؤسسته كذلك من صعوبات حتى تجعله يتكيف سريعا مع الضغوط اليومية ولساعات طويلة، فالموظف المندفع للتنفيس عن فترة الانضباط المفروضة عليه لعدة أشهر بالسهر والبعد عن تطوير الذات بالمهارات التي تضيف لقدراته التنافسية، من الطبيعي أن يجد صعوبة عند رجوعه في مجاراة التحديثات الجديدة أثناء فترة غيابه. والإدارة التي لا تهتم بوضع الخطط لرفع أهلية الموظفين وتبادل الأدوار بينهم لحفظ سير العمل بطريقة سلسة، ستواجه صعوبات تقع على فريق العمل والإنتاج.


ويؤثر اكتئاب ما بعد الإجازة، على أي شخص بغض النظر عن نوع الإجازة أو طولها. وقد تشمل أعراضه الشعور بالتعب وسرعة الانفعال والقلق وغياب الحافز للعودة إلى العمل أو إلى الروتين الطبيعي، وربما بالحزن المصاحب لانتهاء الإجازة، وربما بدرجة أكثر تطرفا حدوث صدامات مع الزملاء، أو إلى انخفاض الرضى الوظيفي بشكل عام.

الانفصال المهني

يبين حسين الصريمي، مدير فرع في شركة الوفاق لحلول النقل المساهمة يلو، أن الموظف يعاني عند العودة إلى العمل ما يمكن تسميته بـ«الانفصال المهني»، وقال «ربما تسبب الإجازة الطويلة فقدان الموظف للثقة والمهارات العملية، ومع العودة يشعر ببعض الانفصال المهني خصوصا إذا كان العمل في حالة تطور وتغيير دائمين، ومن هنا يمكن أن نفهم تأثره نفسيا، كما يمكن أن نفهم تأثير غيابه على الإنتاجية الإجمالية للعمل».

وتابع «قد يعاني الموظف من القلق بعد العودة، مما يؤثر على علاقته بفريق العمل، وربما ينعكس الأمر سلبا في عدم استجابته للتغيرات الديناميكية في العمل».

وشدد على أهمية دور الإدارة في الحد من تأثيرات التوتر والقلق التي تصاحب العودة إلى العمل بعد الإجازة الطويلة، وقال «على الإدارة إشعار الموظف بأنه محل ترحيب، وأن تجدد هويته المهنية، وتطلعه على آخر التطورات للعمل، وتحديد أولويات مهامه مع العودة».

وأكمل «يتجلى التوتر في الصعوبة التي يجدها الموظف في إدارة وقته عند العودة إلى الروتين اليومي، كما أن القدرة على التعامل مع الضغوط السلبية تعد من المهارات الشخصية التي تختلف من شخص إلى آخر، لكن الموظف مطالب بأن يتقن مهارة التعامل مع تلك الضغوط حتى يتجنب انعكاسها سلبًا على أدائه».

وتابع «على الموظف تنظيم وقته، وتحديد الأولويات اليومية والأسبوعية، وتحديد الزمن لإنجاز جميع المهام».

وواصل«كما أن على الإدارة والزملاء تشجيعه وتقديم الدعم النفسي والمادي اللازمين لدمجه سريعا بالعمل، خصوصا أن غياب الموظف لفترة طويلة يؤثر على العمل والفريق من حيث كثرة الضغوط العملية، وربما انخفاض الروح المعنوية، وإثقال كاهل الفريق بمهام إضافية».

تأثير جسدي

تركز تحية الحريصي، وهي مديرة دار الأحفاد المتوسطة والثانوية على أن للإجازة الطويلة تأثيرات جسدية على الموظف، لعل صعوبات ضبط النوم تعد أحد نماذجها الجلية، فالموظف الذي كان متحررا من الالتزام بمواعيد مبكرة أو على الأقل منضبطة للنوم سيكون بمواجهة ذلك الالتزام والانضباط مع عودته إلى العمل، ولذا عليه أن يبدأ بالتأقلم قبل العودة إلى العمل ببضعة أيام حتى لا يتأثر عمله فيما لو آخر هذا التأقلم ريثما يباشر عمله بعد العودة من الإجازة.

بدورها، بينت ريم الشمري، وهي معلمة للمرحلة المتوسطة، أن الشخصية المرنة لا تتأثر كثيرا بفترة الانقطاع عن العمل، وبالتالي تجد الحلول لصعوبات التأقلم والتفهم لتطبيق التحديثات والمتغيرات، وذلك خلال فترة قصيرة جدا تعقب العودة إلى العمل.

وأوضحت «إذا وضع النظام نمطا محددا ووصفا وظيفيا واضحا، مع توفير بيئة وفريق عمل داعم، لن يكون هناك تأثير على الإنتاج أثناء غياب الموظف. ويمكن لتوقف الموظف في إجازة في هذه الحالة أن يعطي دافعا لرضا وظيفي أكبر، وينفي احتمالات القلق من التأثير السلبي للعودة واحتياج الوقت للانسجام مع الفريق من جديد بعد العودة».

كما ركزت على أن للإدارة دور كبير في إيقاف التسرب الوظيفي خارج المنظمة والغياب غير المنضبط بالإجازات، وذلك عن طريق تعزيز الانتماء للمؤسسة وتعزيز الروح الإيجابية، ووضوح وتيسير الأهداف الأساسية لفريق العمل، وقالت «الإدارة الذكية هي التي تمتلك خطة إستراتيجية بعيدة المدى للحفاظ على الموظفين. لكون الموظف الجيد يمكنه الحد من الهدر الاقتصادي لقيامه بمهام كثيرة تكلف المؤسسة المال والجهد الجسدي والنفسي. كما يتوجب على المدير دمج الموظف المنعزل لأي سبب كان في مجموعة العمل، وتغيير نمط وظيفته، وإدخاله مع شخص نشيط يملك الذكاء الاجتماعي، فغرس القادة الجيدين مع الموظفين يحدث فارقا، ويجعل من فريق العمل مجموعة موحدة».

وختمت بأنه على الإدارة كي تتجنب التشتت أثناء غياب أحد موظفيها، تحديد الأهداف قبل وبعد الإجازة، فالمدير الجيد يؤمن تبادل الأدوار بين الفريق الواحد ليضمن سير العمل مع إجازات الموظفين بطريقة انسيابية.

قدرات تكيّف

توضح رفعة القشانين، وهي موجهة طلابية، أن قدرات الأفراد تختلف فيما يتعلق بالتكيف من عدمه حتى بعد الإجازات الطويلة، وتقول «مع الإقرار بأن هناك بعض الارتباك الذي تسببه العودة إلى العمل بعد الانقطاع سواء لإجازة أو تغيب طويل، فأنا أرى أنه يمكن ألا يكون هناك تأثير سلبي أثناء العودة من الإجازات، بل ربما تكون هناك رغبة للعودة وإنجاز الأعمال».

وترى أن من الصعوبات التي قد يواجهها الموظف في الأيام الأولى من عودته هي عدم توزيع الأعمال حسب الخطة الإدارية وفي الوقت المحدد، وعدم مرونة بعض الموظفين المشتركين مع العائد في نفس العمل، كما تجزم بأن للغياب تأثيرا كبيرا على الأداء وإنتاجية الموظف.

أما من ناحية الأثر النفسي للإجازة، فأكدت أنه قد يكون إيجايبا أو سلبيا، فهناك أشخاص يستطيعون العودة بكامل صحتهم النفسية، ويكون تأثيرهم إيجابيا، وهناك أشخاص يعودون بتأثير سلبي.

وميزت بين الغياب كإجازة، وبينه كتوقف لمجرد الغياب، وقالت «إذا كان التوقف عن العمل في إجازة وأخذ استراحة، فيكون هناك شعور بالرضا مصدره أن الموظف يمضي حسب الخطة وأن أهدافه واضحة، وإذا كان التوقف غيابا فهذا له تأثيره السلبي المتجلي بالشعور بعدم الرضا».

وبينت أن الزملاء قد يساعدون الزميل العائد بسرعة التأقلم والانسجام، خصوصا حين تكون علاقاتهم ببعضهم بعضا جيدة.

وقالت «من الطبيعي أن تكون هناك صعوبة في العودة إلى الروتين، وهذا يحتاج إلى إدارة الوقت بشكل جيد، ولعل ما يساعد على هذه العودة بشكل جيد وضع خطة واضحة لأي عمل يكلف به الموظف، وإنجاز الأعمال في وقتها لأن تراكمها يسبب التوتر للموظف الذي يحتاج مهما كانت خبرته إلى تأهيل يتجاوز بموجبه تأثير الغياب، ويعوض ما فاته بسبب غيابه من تطورات ومستجدات على مستوى العمل».

وتابعت «لا شك أن الإدارات الناجحة تحاول تقليل تأثير غياب الموظف على العمل والمشاريع، حيث تعمل على التنسيق منذ البداية بتوفير البديل، بحيث لا يتأثر العمل، وبحيث تمضي الخطط بالشكل المطلوب».

عوامل تؤدي إلى اكتئاب ما بعد الإجازة

- التغيير في الروتين اليومي من الاسترخاء إلى الالتزام والانضباط

- إرباك التفكير بالمسؤوليات مع العودة إلى العمل بعد الانفصال التام عنه بالإجازة

- فقدان السيطرة، حيث يختلف تحكم الموظف بوقته وجدوله بين الإجازة والعمل

للتغلب على اكتئاب ما بعد الإجازة

ـ محاولة العودة إلى العمل تدريجيًا، مثلا بجدولة المهام ذات الأولوية المنخفضة في الأيام الأولى للعودة

- التواصل مع الزملاء والاطلاع على ما فات الموظف خلال غيابه

ـ التنظيم وتحديد قائمة المهام وأولوياتها لتحقيق مزيد من التحكم

ـ التعبير عما يشعر به الموظف حيال زملائه ومديره مما يخفف عنه العبء مع العودة

ـ على المؤسسة تعديل ثقافة العمل بحيث لا يشعر العائد للعمل بالإنهاك، مثل أن يتم تجنب عقد كثير من الاجتماعات

ـ ألا ترهق المؤسسة الموظف العائد بمئات الرسائل الإلكترونية

ـ أن تستخدم المؤسسة كلمات محفزة للعائد بأن عودته تمثل مساعدة كبيرة للفريق

اكتئاب بعد الإجازة ظاهرة عالمية

54 % من الكنديين يعانون منه

72 % من الأمريكيين لديهم فزع وقلق العودة

70 % من الناس يعانون من ظاهرة القلق بعد العودة من الإجازة مباشرة

نصائح لليوم الأول عند العودة إلى العمل

- النوم مبكرا والاستيقاظ قبل العمل بوقت كافٍ للذهاب بلا ضغوط إلى العمل

- تجنب جدولة كثير من الاجتماعات والمواعيد خلال هذا اليوم

ـ يمكن أن تبدأ بيوم في المكتب بلا عمل لتحقيق مزيد من الاندماج

- خطط أولوياتك حتى تشعر بالإنجاز

- امنح نفسك فرصة معرفة ما تم أثناء غيابك

- التفاعل السريع مع الزملاء ومديرك يشعرك براحة تامة

- امنح نفسك استراحة أطول من المعتاد في نهاية اليوم لأنك ما زلت بحاجة إلى الانتقال من الاسترخاء