يكشف البحث الذي أجراه فريق من الباحثين الدوليين أنه بعد عقود من التحسن المستمر، بدأت الحرية الأكاديمية العالمية في التراجع على مدى العقد الماضي. وهو تراجع يثير مخاوف جدية بشأن مستقبل الابتكار والتقدم العلمي.
التقدم العلمي
اعتُبِرت الحرية الأكاديمية وحق العلماء في متابعة البحث والتدريس والتعبير عن الأفكار دون تدخل غير مبرر حجر الزاوية للتقدم العلمي. ومع ذلك، لم يتم قياس أهميتها للابتكار كميًا على نطاق عالمي حتى الآن. ولا تؤكد نتائج الدراسة الدور الحاسم للحرية الأكاديمية في دفع الابتكار فحسب، بل إنها تدق أيضًا تحذيرًا بشأن العواقب المحتملة لتراجعها الحالي.
وللتحقق من هذه العلاقة، قام الباحثون بتحليل بيانات من 157 دولة على مدى 115 عامًا، من 1900 إلى 2015. واستخدموا مؤشر الحرية الأكاديمية (AFI) لقياس مستوى الحرية الأكاديمية في كل دولة وقارنوه بإنتاج الابتكار المقاس بعدد طلبات براءات الاختراع والاستشهادات.
كانت النتائج التي نشرت في مجلة PLOS One مذهلة. فقد أنتجت البلدان ذات المستويات الأعلى من الحرية الأكاديمية باستمرار مزيدًا من براءات الاختراع، وحصلت على مزيد من الاستشهادات بشأن تلك البراءات. وعلى وجه التحديد، عندما زادت الحرية الأكاديمية في بلد ما بمقدار انحراف معياري واحد، ارتفع عدد طلبات براءات الاختراع بنسبة 41% بعد عامين، وزاد عدد الاستشهادات بنسبة 29% بعد 5 سنوات.
الاتجاه النزولي
النتيجة الأكثر إثارة للقلق كانت الاتجاه النزولي الأخير في الحرية الأكاديمية. فبعد زيادة مطردة من أربعينيات القرن الـ20 إلى العقد الأول من القرن الـ21، بدأت الحرية الأكاديمية العالمية في الانحدار في العقد الماضي. ولم يُلاحَظ هذا الانعكاس على مستوى العالم فحسب، بل وأيضًا بين الدول الـ25 الرائدة في مجال العلوم.
وبناءً على نتائج الدراسة، يتوقع الباحثون أن يؤدي ذلك إلى انخفاض كبير في إنتاج الابتكار في السنوات المقبلة. وقد يتجلى هذا في انخفاض عدد براءات الاختراع الجديدة وانخفاض الأبحاث المؤثرة، مما قد يؤدي إلى إبطاء التقدم التكنولوجي والنمو الاقتصادي.
ويؤكد مؤلفو الدراسة أن هذا الاتجاه ينبغي أن يكون بمثابة جرس إنذار لصناع السياسات والمؤسسات الأكاديمية في مختلف أنحاء العالم. وهم يزعمون أن حماية وتعزيز الحرية الأكاديمية ليس مجرد مسألة مبدأ، بل هو ضرورة عملية لتعزيز الإبداع والتصدي للتحديات العالمية.
انخفاض عالمي
يقول بول ممتاز، أستاذ التمويل الريادي في الجامعة التقنية في ميونيخ «نتوقع انخفاضًا عالميًا يتراوح بين 4 و6% في القدرة الإبداعية. وفي البلدان الرائدة، يصل الرقم إلى 5 - 8%».
ويضيف «النتائج هي علامة مثيرة للقلق، أولئك الذين يقيدون الحرية الأكاديمية يحدون أيضًا من القدرة على تطوير تقنيات وعمليات جديدة، وبالتالي يعوقون التقدم والازدهار. نحن نرى هذا الاتجاه ليس فقط في الديكتاتوريات، ولكن أيضًا بشكل متزايد في الدول الديمقراطية حيث اكتسبت الأحزاب الشعبوية نفوذًا».
الحرية والعوامل الاجتماعية
يسلط البحث الضوء على العلاقة المعقدة بين الحرية الأكاديمية والعوامل المجتمعية الأخرى. ففي حين تشكل الحرية الأكاديمية أهمية بالغة للابتكار، فإنها تتعارض مع قوى أخرى، مثل الضغوط السياسية، وقيود التمويل، والتوقعات المجتمعية.
وتشير الدراسة إلى أن إيجاد التوازن الصحيح أمر ضروري لتعظيم الإمكانات الإبداعية مع معالجة المخاوف الأخلاقية والاحتياجات المجتمعية.
وفي بلدان مثل الصين، مثلا، وجدت الدراسة أن الحرية الأكاديمية تراجعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، الأمر الذي قد يعرض طموحات البلاد في أن تصبح رائدة عالمية في مجال الابتكار للخطر. وعلى العكس من ذلك، لا تزال البلدان التي حافظت على مستويات عالية من الحرية الأكاديمية، مثل أمريكا وألمانيا، في طليعة الابتكار العالمي.
ويزعم الباحثون أن عكس اتجاه الانحدار في الحرية الأكاديمية ينبغي أن يكون أولوية للحكومات والمؤسسات في العالم. ويقترحون أن السياسات التي تحمي الحرية الأكاديمية، وتعزز الحوار المفتوح، وتدعم البحث المستقل من شأنها أن تساعد في تحفيز الإبداع ودفع النمو الاقتصادي.
المنهجية
استخدم الباحثون بالنسبة للابتكار، حساب طلبات براءات الاختراع ومدى تكرار الاستشهاد بهذه البراءات. كما قاموا بدراسة عوامل أخرى قد تؤثر على الابتكار، مثل ثروة الدولة وحجم سكانها، للتأكد من أنهم يقيسون التأثير المحدد للحرية الأكاديمية.
وخلصت الدراسة إلى أن حماية وتعزيز الحرية الأكاديمية قد يشكلان إستراتيجية قيمة للدول التي تسعى إلى تعزيز إنتاجها الإبداعي.
نتائج تترتب على تراجع الحرية الأكاديمية
ـ انخفاض كبير في إنتاج الابتكار
ـ انخفاض عدد براءات الاختراع الجديدة
ـ انخفاض الأبحاث المؤثرة
ـ إبطاء التقدم التكنولوجي والنمو الاقتصادي
ـ الحد من عملية الإبداع والتصدي للتحديات العالمية
ـ الحد من القدرة على تطوير تقنيات وعمليات جديدة