يعد سؤال الشر السؤال الأبرز لدى منكري الإله، فهم يقولون لو كان هناك إله فلماذا رضي هذا الإله بالشر، ولماذا لا يمحوه من الوجود؟

وللجواب عن هذا التساؤل، نقول: إننا لو استعرضنا النشاط البشري عبر تاريخ الإنسان بأكمله، لوجدنا أن أكثره لتفادي الشر أكثر من جلب أو كسب الخير، ولولا الشر لما عمل الإنسان وأنتج.. فالمرض والذي يعتبر من أعظم الشرور قد جر البشر إلى البحث عن شفاء الأسقام، إما بالعلاج أو الوقاية أو الأبحاث. فلو لم يوجد مرض لما وجدت وزارات الصحة والمستشفيات والصيدليات ومراكز الأبحاث. ثم ما يلحق بهذه الأمور من تصدير واستيراد ونقل وغيرها، وحينها لن يكون للبشر أي إنتاج في ذلك. بل حتى الألم الذي يتألمه الإنسان أو يشاهد شخصا آخر يتألم، يعد باعثا ومحفزا له كي يعمل ليخلص نفسه والآخرين من هذا الألم، ولو لم يكن هناك ألم لما عمل وبحث وأنتج، ولو لم تكن هناك جريمة لما وجدت وزارات الداخلية بمرافقها وآلياتها، ولن تكون هناك أبحاث في الجريمة. ولو لم يكن هناك غش وكذب واختلاس، لما وجدت المحاكم والقضاء وأجهزة الرقابة. ولو لم توجد زلازل وأعاصير وفيضانات، لما وجدت تصاميم هندسية لبيوت قوية، وقس على ذلك أشياء كثيرة.

إن مفهوم الشر يشمل كل ما لا يريد الإنسان حصوله ويهرب منه، وإذا اختفى الشر لن يقوم البشر بكل تلك الأعمال السابقة. وبالتالي فإنهم لا يحتاجون لهذه القدرات العقلية التي أودعها الله فيهم، ويكفيهم عقل بسيط بمستوى عقل فتى أو مراهق، فهذا العقل يكفي لاكتساب الخير. فهذا الفتى يمكنه أن يوقع على صفقة تجارية ضخمة لكنه لا يستطيع تفادي الشر بهذه الصفقة، ولذا يستعين بشخص كبير ذي خبرة يدله على طرق المكر والخديعة ليتفاداها. ولو وجد هذا العقل المتقدم جدا من أجل كسب الخير فقط، فلن توجد لديه الدافعية لذلك، لأن الخلاص من الشر هو أكبر محفز للإنسان. فقد يتكاسل المرء في كسب الخير لكن لا يمكنه أن يتكاسل في الخلاص من شر. وعليه فإن هذا العقل الكبير بلا عمل سيصبح أشبه بعضو زائد في الجسم لا وظيفة له، أو أشبه بشخص عبقري في مجتمع بدائي لا يعمل بعبقريته. وحينها سيظهر السؤال الأهم وهو أيهما أفضل أن يكون هناك عقل بالمستوى الحالي مع شر، أو عقل بسيط مع عدم وجود شر؟