لم يكن ذلك اليوم الذي صنعنا فيه أصنام التفاهة الأولى غريباً على واقعنا الحالي. بل ربما كانت لحظة ميلاد تلك الأصنام هي اللحظة التي ارتضينا فيها بالسطحية وزيف القيم. بدأنا نروج لتفاهات وسوقية محتواهم، مبررين ذلك على أنه ترفيه بريء أو انعكاس لواقع اجتماعي يستحق النقد. ولكن الحقيقة المؤلمة هي أننا كنا نصنع صنماً ثم نعبده فيما بعد.

نحن من صنع هؤلاء التافهين، نحن من أعطاهم الحجم الذي لا يستحقونه، نحن من فتح لهم أبواب الشهرة والانتشار، ورفعهم فوق منابر التواصل الاجتماعي، ومنحهم القوة ليتحولوا إلى مؤثرين يقودونجيلاً كاملاً إلى طريق لا أفق له.

لقد أصبحت بعض المجتمعات تقدس التفاهة، حيث بات الإعجاب بالسطحية وسيلة لتأكيد الانتماء،ومتابعة مشاهير ومشهورات التفاهات دليلًا على الحداثة والمعاصرة.


نحن من جعل التفاهة سلعة تجارية رائجة، نحن من أعطى أصواتهم الضعيفة وزناً وقيمة، ونحن من منحهم المنصة ليؤثروا في عقول أبنائنا وأطفالنا، الذين غداً سيقتدون بهم بلا شك، لأننا اليوم كلنا معجبون بهم ومن

أتباعهم.

إن متابعتنا لهؤلاء التافهين والتافهات لم تعد تقتصر على الأعجاب والتشجيع فحسب، بل امتدت لتكون جزءاً من ثقافتنا اليومية، نردد شعاراتهم، ونتحدث بأسلوبهم، ونتصرف كما يتصرفون. تلك البضاعة التي نروج لها اليوم سترد إلينا في يوم ما، مع تضخمها وتفاقم أثرها في قيمنا ومبادئنا، في مجتمعنا بأسره.

المجتمع هو المسؤول الأول والأخير عن هذه الظاهرة. نحن من صنعنا الصنم ثم عبده، ونحن من يجب أن يتحمل النتائج. علينا أن نعيد النظر في معايير النجاح والشهرة، وأن نبحث عن الأصيل والمفيد في كلما نتبناه. علينا أن نعيد صياغة اهتماماتنا بما يعكس قيمنا الحقيقية، وأن ندرك أن التفاهة لن تصنع مستقبلاً مشرقاً لنا أو لأبنائنا.

فلنكن نحن التغيير الذي نريد أن نراه في عالمنا، ولنبدأ بحماية الأجيال القادمة من تأثير تجار التفاهات،لأنهم يستحقون مستقبلاً أفضل من ذلك الذي نصنعه لهم اليوم.