عادل إمام والشيخ متولي الشعراوي هما ألمع نجمين في هذا العقد على الصعيدين المصري والعربي الأول، كما هو معروف، ممثل كوميدي. والآخر كما هو معروف أيضا أحد الدعاة المتفقهين في الإسلام. يجمع بينهما هذه الجاذبية التي تسحر الملايين حول شخصية كل منهما عن طريق الأسلوب التمثيلي الذي يخاطبان به الجماهير. وإذا كان التمثيل في حياة عادل إمام هو الحرفة المباشرة، فإن التمثيل في حياة الشعراوي هو البديل للخطابة التقليدية والوعظ والإرشاد. وإذا كان التمثيل في حياة عادل إمام لا يتطلب سوى الإتقان الحرفي، فإن التمثيل في عمل الشعراوي يتطلب الحركة العفوية لعريف الكتاب أو مدرس القرية والكلام الحاذق المبسط الذي يبهر السامع ويخدر حواسه ويسلبه القدرة على التفكير وإنما يحيله إلى صدى وجهاز إرسال فقط.

ولا شك أن مواهب الشعراوي الفطرية، كمواهب عادل إمام هي التي نقلتهما إلى الصف الأول من نجوم العصر الجديد. ولكنهما النجمان النقيضان .. فالممثل الكوميدي المحترف يقتضيه الأمر أن يعارض وينتقد. وهو في مجال الحياة العامة أقرب إلى اليسار الناصري إن جاز التوصيف. أما الشيخ الشعراوي فقد نقله السادات من عمله الإداري المتواضع في الأزهر إلى عضوية الحكومة التي وافقت على كامب ديفيد، وزيرا للأوقاف. ومن يومها ظل الشيخ في صفوف المؤيدين، حتى وهو خارج الوزارة. ولكن الحلقة التلفزيونية الأسبوعية التي يقيمها وتباع إلى أقطار عربية عديدة، دفعت بمواهبه إلى الصدارة فأصبح في فترة وجيزة من مليونيرات عصر الانفتاح. وكانت جاذبيته هي التي فتحت له أبواب الداخل والخارج، ولكن الأبواب الخارجية كانت أكثر اتساعا. كان النظام المصري كغيره من الأنظمة يعاني، ولا يزال، من الجماعات الدينية الراديكالية. وكان الشيخ ولا يزال صاحب بضاعة يبز فيها المعرفة المتواضعة لشباب هذه الجماعات. ولأنه أيد السادات والصلح مع أو إسرائيل، ولأنه يجادلهم بمنطق العامة من الشعب فقد راح يسحب البساط من تحت أقدامهم، وأصبحوا بدورهم يرون فيه خصما. وبقيت المفارقة إلى الآن أن الشيخ قائد بلا جنود، وأن جنود التنظيمات بلا قائد. بالرغم من أن الفكر الذي يروجه الشيخ الشعراوي هو نفسه فكر هذه التنظيمات، ولكن سلاحه هو موهبته التلفزيونية الطاغية. وأما سلاحهم فهو الإرهاب. إنه رجل لا يقل راديكالية في تفسير القرآن والأحاديث، حتى إنه لا يشعر بأي حرج في التلميح والتصريح والتعريض بالمسيحية والمسيحيين مما يساهم - وقد ساهم - في خلق شحن واحتقان.

مؤخرا وقعت المواجهة المتوقعة بين النجم عادل إمام والنجم متولي الشعراوي . فجأة ظهرت على سطح الحياة المصرية قضية «الفن حلال أم حرام». وأقول على السطح، لأن الحياة المصرية تغلي بمشكلات أبعد ما تكون عن هذه الافتعالات المقصودة، ولأن المصريين في حياتهم اليومية يمارسون الفن في تجلياته المختلفة دون التوقف عند الحلال والحرام. ولكن بعض الجماعات الإسلامية أعلن أن الموسيقى صوت الشيطان وأن المسرح رجس والغناء عورة والفنون التشكيلية وثنية والأدب غواية الكافرين، هكذا دفعة واحدة .. وفي الصعيد اقتحموا المركز الثقافي في إحدى قرى أسيوط ومنعوا الدولة من تمثيل إحدى المسرحيات. وقد فاجأ عادل إمام الجميع في مجلة «المصور» (۱۹۸۸/۴/۲۹) بأنه قرر أن يعرض مسرحية ميراث الريح في قرية «كودية الإسلام» التي منعت فيها الجماعات العرض المسرحي. وقال إن المسرحية تعرض صراعا بين أستاذ يشرح نظرية التطور لداروين وبين بعض الطلاب المتعصبين. وأضاف أنه يريد أن يقدم عرضا مماثلا في جامعة أسيوط، يشاركه فيه الطلاب وأريد أن يكون كلامي دقيقا منذ البداية. هذه ليست جماعات متطرفة بل إرهابية. وكان من الممكن أن نسميها متطرفة فكريا قبل أن تستعمل الجنازير والخناجر والرصاص، وعندما لطخت أيديها بالدماء أصبحت إرهابية. وأختتم کلامه: لذلك أحس أن من واجبي كإنسان وفنان ومصري أن أقف، ومعي كل الشرفاء أمام هذا التيار الإرهابي البشع.

بين عادل إمام من جهة والشيخ الشعراوي من جهة أخرى هناك الشباب أنفسهم شباب الجماعات التي ترى في أدب توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس و«الجميع» على حد تعبيرهم كفراً ليس بعده كفر. . ولكن الحقيقة أن الشعب المصري يمارس فنون الغناء والرقص والكتابة يوميا، ولا يسمع أصلا بأن هناك «معركة» باسمه أو باسم الدين من اجل تحليل الفن أو تحريمه كل ما هنالك أن العصر الاجتماعي الواحد الذي أفرز الصحوة وصحوة الإرهاب هو نفسه الذي عبر عن نفسه بهويتين متناقضتين: نجومية عادل إمام الذي يحارب من الخندق العلماني بالكوميديا، والشيخ متولي الشعراوي الذي يحارب من التلفزيون أية خطوة نحو التقدم. وكلاهما في مصر - وربما في الوطن العربي بأكمله - نجم النجوم.

1988*

* ناقد وأكاديمي مصري في «1935 - 1998».