صدر حديثًا في السعودية كتاب «ميديولوجيا الصحافة السعودية.. قراءة في المسيرة والتحولات» للصحافي والباحث سعيد آل جندب، الذي تناول فيه رؤيةٍ متدرجة عن الصحافة وقراءة متشعبة لمسيرتها في المملكة العربية السعودية، ساردًا عددًا من الآراء والأفكار عن الصحافة بشكل شمولي.

واستعرض الصفحات والأبواب والزوايا، مارًا بوجع المراسل، وحمى قاعة التحرير، ومعارك مطبخ النشر، ويستعرض الكتاب بدقة التحولات الكبرى التي شهدتها الصحافة السعودية، ودورها الثقافي والتنويري، الذي أسهمت به في المجتمع السعودي، وكيف رفعت من الوعي والتأثير الإيجابي من خلال تحليل معمق للمحتوى الإعلامي، بأسلوب بعيد عن الحدة الأكاديمية، فتجنب اللغة المعقدة منحازًا إلى جانب البساطة والممارسة.

المقروء والمرصود


في بداية الكتاب يوضح الكاتب أنه «لمن أحبوا الصحافة من قراء ومنشغلين، ولمن اقتربوا من لذة أجوائها وسخونتها كذلك، وللمقبلين على ميدانها بشغف وطموح، دون النظر للصعوبات التي مرت وستمر بها، وبالتأكيد سيعيشون ذات الوهج والسعادة، ويعبرون على الوجه الطبيعي الآخر من الانكسار والخيبات والتفكير الطويل، هي مرحلة عشتها بما ضمت من الدروس والحقائق والمواقف، ليست جميلة كما يتوقع البعض، وليست أيضًا بذاك الهزال والترهل، مرحلة لها لبوسها ومعطياتها من التغير والتحول والتطور».

وأشار في افتتاحية الكتاب إلى أنه «لا ينبغي أن ترتفع التوقعات تجاه المقروء والمرصود، وأن يُعتقد أن ما كتبته يمثل قصة وتحولات الصحافة السعودية بالفاصلة والنقطة، لأن ذلك بعيد جدًا وعسير المنال، ويلمس معه شيئًا من الإلمام التام والانغماس الكلي، وهذا كذلك لا يعد صحيحًا ولا كافيًا.. هذه زوايا ومربعات من صورة كاملة تنتظر من يواصل العمل ليكمل أجزاءها، عممت بما يناسب التعميم ويسمح بالتأويل، ولكن في مواقع أخرى خصصت بما يعطي الحقيقة الكاملة دون تفسير مُخل أو تأويل متجاوز».

ويقع الكتاب في 190 صفحة من القطع المتوسط عبر ثلاثة فصول، تناول الأول «عن الصحافة» رؤية عن الصحافة وبعض من تنوعاتها من صحافة الحملات، و صحافة المواطن، و«تلفيز» الصحافة، وعن حيادية الإعلام وصناعة المحتوى في المملكة، وبعض الدول العربية من خلال تجربة وتحليل للكاتب.

ودخل الزميل آل جندب في ثاني فصول كتاب «ميديولوجيا الصحافة السعودية» لصالة التحرير من الصفحة الأولى، ثم تناول فنون الصحافة في الصحافة السياسية، والمحلية، والاقتصادية، والثقافية، والرياضية، والفنية، والجريمة، والشعبية، واستعرض الكتاب مسيرة عدد من رؤساء التحرير من برز في الميدان، ومن انتقل منهم لتولي قيادة وزارة الإعلام في المملكة.

تميز في الرأي

تناول الفصل الثالث من الكتاب القوالب الصحافية من الخبر، والمقال مع تصنيف لمجالاته في الصحافة السعودية، وقدم قراءة لأهم كتابها، ثم تناول مسيرة القصة الصحافية «الفيتشر»، والحوار الصحافي، والصورة الصحافية، ثم أفرد صفحات وثق فيها سيرة نخبة من رسامي الكاريكاتير السعوديين، وأفصح الكتاب عن خفايا الحراك الإعلاني في الصحافة، مختتمًا صفحاته بعرض عن ماهية الصفحة الأخيرة في الصحف.

واحتوت صفحات الكتاب عرضًا لما قدمته صحيفة «الوطن» في عدد من أبوابها، مبرزًا تأثيرها الإيجابي في الرفع بمستوى الطرح الصحافي ليجعلها «رائدة الثورة الصحافية السعودية»، وصناعة الأخبار الطازجة، بعيدًا عما يتم إعداد في إدارات العلاقات العامة، مع تميزها في مجال الرأي، حيث كتب المؤلف في تحية لصحيفة «الوطن» أنها «قلبت معايير الافتتاحية أو كلمة الصحيفة ليكون كل قسم بها محتويًا على زاوية رأي فصدرت يوميًا بخمس افتتاحيات سياسي، ومحلي، وثقافي، ورياضي، ومجتمع، يكتبها أحد مسؤولي الصحيفة ثم أصبحت مناوبة بين منسوبي كل قسم».

وفي تحليل للمقال الصحافي السعودي عرض الكتاب تحليل لعدد من كتاب الوطن منذ تأسيسها أمثال: جعفر عباس، وعلي سعد الموسى، وصالح الشيحي، وتركي الدخيل، مثنيًا على تحويلها لمفهوم الصفحة الأولى لتكون جاذبة لكل مهتم بمجال معين «فمنحت كل قسم فرصة الظهور على الأولى، بأهم وأبرز خبر ينشر في صفحاته» بشكل إخراجي، مكنها من تصدر المبيعات في مناطق المملكة لفترة طويلة، وبخاصة المناطق الجنوبية والغربية.

وأشار إلى أنه بعد صحيفة «الوطن» أصبحت الترويسة داخلية في غالبية الصحف المحلية ضمن صفحات الرأي، و تطرق الكتاب لدور «الوطن» في توازن القوة بين جميع الأقسام، سواء السياسي أو المحلي أو الثقافي الذي أصبح ذا قدرة في التعامل اللحظي مع كل حدث ومتابعته على صفحتها الأولى وصفحتيه الداخلية.

التحديات والفرص

يُظهر الكتاب كيف استجابت الصحافة السعودية للتحديات الجديدة، وكيف تمكنت من الحفاظ على مكانتها كوسيلة إعلامية مؤثرة في عصر يتسم بالتغير السريع والمنافسة الشديدة، ويُعتبر الكتاب دليلاً شاملاً يغطي جوانب متعددة من الصحافة السعودية، بما في ذلك التاريخ والتطور والتحديات والفرص المستقبلية، مما يجعله إضافة قيمة لأي مكتبة أو مجموعة خاصة بالدراسات الإعلامية، حيث يُشيد الكتاب بالدور الذي لعبته الصحافة في دعم التنمية الوطنية وتعزيز الهوية الثقافية، مؤكدًا أهمية الصحافة كعنصر أساسي في النسيج الاجتماعي والثقافي للمملكة.