انتهى رمضان بكل خير على الأمتين العربية والإسلامية، ونسأل الله ذلك كل عام، ولكن ما لم ينته من مخيلتي (بعض مشاهد التسول) التي بقيت لبشاعتها وخلوها من مشاعر الرحمة التي قد يتحلى بها الحيوان، فما بالك بالبشر الذي يجب أن تعم رحمته جميع مخلوقات الله. فكيف ببشر مثله بل وطفل لا يقدر على صد الإيذاء الواقع عليه! فلا يكاد أحدنا يتوقف عند إشارة مرور أو مفترق طرق أو حتى مسجد على الطرقات السريعة النائية عن المدن، إلا ويجد طفلا بل ورضيعا في بعض الأحيان في أحضان سيدة- قد لا تكون أمه - تحت شمس حارقة أو برودة قارسة أو عواصف ماطرة دون شفقة. والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة كيف تم توزيع هؤلاء المتسولين بدقة، لتغطية أكبر قدر من جباية الأموال، حتى أمام الصرافات الآلية؟. الإجابة ببساطة أن هؤلاء النساء والأطفال يتم استغلالهم من قبل عصابات الاتجار بالبشر، والتي تستغل مساعي المسلمين للتقرب إلى الله في رمضان أبشع استغلال، فلا يحصل المتسول إلا على فتات ما يجني، وبقية المبالغ تذهب لمن يدير هذه العصابات التي قد توصلها لتمويل أعدائنا في الخارج. ورغم أن النيابة العامة تحذر بشكل متواصل من امتهن التسول أو أدار متسولين أو حرض غيره أو اتفق معه أو ساعده بعقوبات سجن لمدة تصل إلى سنة وغرامة تصل إلى مائة ألف ريال، إلا أنه - للأسف - تجد التسول في ازدياد! وحتى لا يتم القبض على أعضاء تلك العصابات فإنهم يستخدمون هؤلاء الأطفال كدروع بشرية لهم، كون الأطفال أكثر استعطافا وأقل تعرضا لعقوبات التسول.

ما أريد قوله أن الجهات الرسمية المنوط بها التعامل مع المتسولين متعددة، وهنا يشغل تفكيري عدة أسئلة، إن تم إلقاء القبض على المتسولة ومعها طفل رضيع على سبيل المثال، أين يبقى هذا الطفل؟ وكيف يتم التحقق من هويته؟ ومدى صلته بالمتسولة؟ وأين هي الحضانة المهيأة والحاضنات المخصصات لرعايته؟ وأين الباحثون الاجتماعيون والمحامون المختصون بقضايا الأحوال الشخصية في حال كان هذا الطفل سعوديا، وتركه عائله بلا نفقة رغم قدرته على ذلك؟ و..و.. و إلى آخره من التساؤلات.

فلماذا لا تدعم وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وبقية الجهات ذات العلاقة بالتسول مبادرة إنشاء جمعية على مستوى المملكة مخصصة لإنقاذ ضحايا التسول من الأطفال، وتحصل هذه الجمعية على الدعم من أبواب الخير الوفيرة في بلادنا مثل (منصة إحسان) وغيرها، لإيجاد المأوى لهذا الطفل حتى دراسة حالته، ويتخذ إجراء يضمن عدم استغلاله مرة أخرى، ما سيفتح أبواب التوظيف أمام العديد من أبناء وبنات وطننا في التخصصات ذات الصلة بهذا العمل.

باختصار - أكرر- رأيت أطفال رضعا يتم إيذاؤهم بالتسول، ولم أتمكن من مساعدتهم، فلو كان هناك رقم مجاني مخصص لمثل هذه البلاغات، ونحن على ثقة بأن من يباشر البلاغ مع الدوريات الأمنية هم شباب وفتيات متخصصات في إيواء ذلك الطفل لما ترددنا دقيقة واحدة في كف أذى التسول عن بلادنا، فننتظر أن نفرح قريبا بافتتاح (جمعية إنقاذ أطفال التسول).