أيُّ حضارات ذكية هي التي سادت أُمَّنا الأرض في العصور القديمة؟ ما حقيقتها الباهرة؟ ماذا عن حكاياها وأسرارها؟ كيف أنجزت ما يعجز الإنسان اليوم عن إنجازه وحتى عن فهمه؟ وأين اختفت التكنولوجيا المتقدمة التي استخدمتها؟

أهرام الجيزة في مصر، هياكل بعلبك في لبنان، الإنشاءات الحجرية العملاقة في ستونهيش في إنكلترا، هرم الشمس في المكسيك، خطوط نازاكا في البيرو، تماثيل مواي في جزيرة القيامة... وغيرها، كل هذه الإنجازات الحجرية العجائبية المذهلة كانت من ثمار حضارات متقدمة وباهرة لا نعرف عنها إلا القليل ونجهل تماماً كيف ولماذا انتهت واختفى صُناعها.

هل تراهم غادروا كوكبنا ومعهم علومهم المتقدمة وتقنياتهم المذهلة، أم أنهم أجداد إنسان أرضنا، ونحن أحفادهم «الجَهلة»؟

إن كانت إنجازاتهم التي ما برحت قائمة وتتحدى الزمن، صحيحة وواقعية، وهي كذلك بالفعل، فلماذا انقرضوا مع علومهم وانتهوا وخلّفوها...؟ هل كانوا من أهل الأرض أم من كوكب ما في الفضاء اللامتناهي... وقد عادوا إليه؟ وإن كانوا «من هناك» فلماذا جاؤوا إلى الأرض.. ولماذا هجروها؟

مجتمعات متقدمة

لا بد أن نكون منطقيين وواقعيين الآن إذ لا مكان للمخيلة... ما يجري الحديث عنه من مخلفات وآثار وهياكل وأدوات، هو واقع حقيقي قائم وملموس ويمكن لمن يشاء معاينته، ومختلف آثاره ما تزال قائمة ويزورها الهواة والسياح والعلماء والعامة. وواقعها الراهن يؤكد أنها بنات حضارات بالغة التقدم، قامت على تقنيات مذهلة مما لم يتوصل إليه البشر اليوم. فلماذا اختفى صانعوها.. وأين.. ولماذا؟

يمكنك الزعم أن ذلك كله خرافات وحكايا، وهذا في الحقيقة كلام يتردد كثيراً، وإن كان غير كاف لإرضاء غليل الحقيقة. وفي أفضل الأحوال فهو كلام حائر في الهواء ولا يستند إلى أي من عناصر الإقناع، وإلا فأين نذهب بتلك الآثار التي ما تزال قائمة وظاهرة للعيان؟

من حسن الحظ أن لا شيء في الطبيعة يمضي من دون أن يترك خلفه أثراً. وطالما الأمر كذلك، فلماذا هَجرَنا أولئك العباقرة.. وأين أحفادهم والشعوب التي انتموا إليها والمجتمعات التي عاشوا فيها وأورثوها علومهم؟ بل كيف يمكن لمجتمعات متقدمة ومتطورة إلى هذه الحدود أن تختفي هكذا من الوجود كأنها لم تكن؟

الأسئلة المطروحة كثيرة، وثمّة المزيد منها، وليس لدينا أجوبة. لكن بدلاً من إدارة الظهر والانصراف إلى شأنٍ آخر، أقترح التكهُّن بداية لعل ذلك يوصل إلى مكان معقول. لا أقترح على أحد ولا أطلب من أحد ولا ألزم أحداً أن يأخذ بما آخذ به. إنّما لِنَدع الأمور تسير في مجاريها. فالأنهار ينبغي لها أن تنتهي إلى البحر.

الخرافات والأساطيرنعرف جميعاً أن كل ما هو مَعدن سينتهي مع تقادُم الأزمنة ويبلى وينقلب إلى أكوام من مسحوقِ الصدأ لا يلبث أن يتآلف مع التراب ويختلط به ويتلاشى فيه. وفي المقابل نعرف أيضاً أن الحجر يبقى شريك الدهر. ومثله المنشآت المبنية. لذا فإن عندنا أهرامات الجيزة مثلاً، وهياكل بعلبك، وأهرامات المايا، والتماثيل العملاقة في غير نقطة من الكرة، وكل تلك البقايا الحجرية المشغولة من حضارات سادَت ثم بادت. والغريب أنه من النادر العثور على آلة معدنية مصنَّعة من تلك التي استخدمتها أقوام حضارات ذلك الأمس المبهم، في حين أن الأشكال المبنية والتي أقاموها من الحجر ما انفكت قائمة، ولذلك بقيت أو ربما لتحيرنا حكاياها، بما يكتنفها من غموض وخرافات وأساطير.

ربّما كان من المفيد في هذا المجال أن نستذكر بعضاً يسيراً من تلك الإنجازات المتخلفة عن الحضارات القديمة، والتي تدهش وتؤرق. وعلى الرغم من أن الخرافات والأساطير القديمة تتمتع ببنىً قوية ومتينة، إلا أن ما نتحدث عنه ليس خيالاً، ولا خرافة، بل هو واقع ما يزال ماثلاً أمامنا.

نظريات.. نظريات

لنرجع قليلاً إلى الأسطر التي سبقت، إلى الأهرام وهياكل بعلبك. كيف نجح الذين بنوا تلك الإنشاءات العملاقة في بنائها؟ كيف تمكنوا من رفع تلك الحجارة الطينية المصقولة، التي كانت غير قابلة للرفع بيد الإنسان وقوته الجسدية، وتثبيتها؟ هل توصلوا فعلاً كما يعتقد البعض إلى تقنيات غريبة كمثل التحريك بالصوت كما تقول إحدى النظريات العلمية الحديثة الجادة؟

يدعي البعض مثلاً امتلاك القدرة على تحريك الأشياء عن بعد، ومن دون لمسها، وذلك من خلال ما يُعرف بالـ Telekinesis، أي تحريك الأشياء بواسطة العقل! فهل هذا صحيح؟! أم أن القدماء نجحوا في ذلك من خلال تكنولوجيا نظرية «تفريغ الجاذبية» في منطقة معينة من مكان محدد، مما لا تقل غرابة وإدهاشاً، بحيث يصبح بالوسع رفع حجر بوزن خمسين طناً بإصبع؟

ثم هناك نظرية تحريك الأشياء بالصوت. بعض العلماء في عصرنا الراهن اشتغلوا على هذه النظرية، وكانت المُفاجأة أنهم حققوا شيئاً من النجاح في ذلك. فقد تمكنوا بالفعل من تحريك بعض الأشياء عن طريق إثارة نوع من النغم. يبدو أن هذا نمط مستغرب من العلم يصاهر الخيال، لكنه حقيقة. وليس لنا أن نحكم بخطأ أو بخرافية كل ما لا نعرفه اليوم؛ فربما لم نصل بعد إلى المستوى العلمي والتكنولوجي الذي كانوا عليه، أعني إلى المعرفة التي حققها، أو بلغها، أو سيطر عليها بُناة هياكل بعلبك وأهرامات مصر، الذين رفعوا تلك الإنشاءات المذهلة لتصمد أمام الزمن إلى يومنا هذا.

هنا اقتراح من أعمال التكهن، لكنه أيضاً نظرية لا يجوز إغفالها، تقول بهذا الخصوص إن بناة الأهرام ربما حصلوا معرفة متقدمة من بقايا حضارة أخرى ضائعة وقديمة من بقايا سكان آتلانتس مثلاً، القارة المفقودة، بحسب الإغريقي أفلاطون. وهذا احتمال لا أكثر.

ثم ماذا عن حكايا «الآلهة»... تلك الكائنات الافتراضية الأعلى التي زعم القدماء أن بوسعها فعل ما يستحيل على غيرها فعله؟

تحدثت قبل قليل عن التكهن. وها أنا أعود إليه فأتكهن أن تلك الخرافية التي سموها «آلهة» كانت مجرد أشخاص من لحم ودم، إنما من ذوي المعرفة الفائقة ممن ابتكروا آلات جدّ متقدمة يمكنها صنع ما يراه غيرهم من عامة الناس، مستحيلاً. فهل كانت الأساطير كلها مجرد مرويات خرافية فقط، أم كان فيها شيء من الواقع والحقيقة، بخاصة أن بعض إنجازاتها لا تزال ماثلة أمامنا حتى اليوم؟

اكتشافات غامضةبين سنة وأخرى في عصرنا يتوصل البشر إلى اكتشاف أحافير، وما تختزنه من آثار لا أحد يعلم عنها شيئاً. اكتشافات غامضة. من هنا تتسلل الخرافات والأساطير التي تشغل المعرفة البشرية وتتناقلها الأجيال. مدن مدمرة، وإنشاءات حجرية غريبة متبقية من حضارات تدمرت وتركت آثارها كشواهد على ذلك الماضي. وكلها دلائل على وجود حضارات سابقة.

أحد الأمثلة هو ما تم العثور عليه مثلاً في مدينة «ولبرتن» في ولاية أوكلاهوما الأميركية في العام 1912؛ حيث وقع عاملان من محطة كهرباء على قطعة فحم كبيرة لم يتمكنا من إدخالها إلى الفرن لضخامتها، فعمدا إلى تكسيرها. عندها عثرا في داخلها على ما يشبه قدر معدني. فحص العلماء المختصون هذا القِدْر فوجدوه حقيقياً وممتاز الصنع. ما الذي جعل هذا القدر داخل صخرة من الفحم أظهرت العلوم العصرية أن عمرها حوالي مليون سنة؟

بعد ذلك تم العثور على أشكال معدنية غريبة من مادة ثقيلة للغاية وغير معروفة. وبعده عثر عمال غيرهم في روسيا على أشكال معدنية أخرى مبهمة النوع ومملوءة بالأخاديد، في منجم على عمق حوالي تسعمائة متر. وبعد فحوصات طويلة لم يستطع العلماء قول أي شيء عنها، سوى أنها تعود إلى مقدرة تقنية عالية جداً، وأظهر الفحص أن عمرها يزيد على ثلاثمائة مليون سنة.

ثم يأتي دور خريطة «بيل ريتس». وهذه أشبه بأعجوبة. وفقاً للبيانات، فالقارة القطبية الجنوبية كانت متجمدة منذ 34 مليون سنة. لكن، ونظراً لما تظهره الخريطة المذكورة، وتشير إليه من تفاصيل تكاد لا تصدق، فمن المؤكد أنه جرى رسمها بتلك الدقة العلمية الباهرة قبل أن تتجمد القارة القطبية.

من كان بإمكانه رسم خريطة صحيحة، وبهذه التفاصيل، غير عالم يمتلك معرفة عالية وتقنيات باهرة، وهذا قبل أكثر من 34 مليون سنة؟ هل كان تحت تصرف تلك الحضارة التي أثمرت الخريطة، أقمار صناعية تمكنوا بواسطتها من تحديد معالم تلك الخريطة بهذه الدقة؟

ثم ماذا عن «بطارية بغداد»؟

معروف اليوم أن هذه التسمية تطلق على بضع قطع فخارية صنعت في بلاد الرافدين خلال حكم الساسانيين أو ربما في مرحلة الحضارة البارثية قبل نحو أكثر من 2000 عام، وتبين أنها بقايا بطارية مما نعرف أحفادها في هذا العصر، وكانت تخزن طاقة كهربائية، مثلها مثل البطارية التي تشغل محرك السيارة اليوم.

وماذا عن بقايا آثار الحمض - acid في بعض ممرات الهرم الأكبر في مصر، فهل كان الفراعنة ينتجون الكهرباء؟

أخيراً، وليس آخراً، ماذا تعني تلكم الإشارة اللاسلكية التي التقطها تلسكوب «الأذن الكبيرة»، والتي لم ينجح العلماء إلا في ترجمة عبارة واحدة منها، مؤدّاها: «إن لم تتطور فسوف تختفي»...!!!

من المحرج أن يكون لدينا في القرن الحادي والعشرين كل هذا القدر من التساؤلات والحيرة. ليس في يدنا سوى الانبهار وأسئلة كبيرة ننتظر أجوبتها... وعسى ألا يطول الانتظار.

ربما علينا أن نعترف مع سقراط بأن كل ما نعرفه هو أننا لا نعرف شيئاً.

*كاتب من لبنان

* ينشر بالتزامن مع دورية أفق