جبلت النفس البشرية على حب التنافس والتملّك والتكاثر والغلبة في كل شيء، فالتنافس يضفي معنى للحياة وللنجاح ويشعل فتيلة الهمة العالية، ولولا التنافس لما نهضت الأمة واستقوى عودها، فالبعض يتألق ويزدهر في ظل هذه المنافسة، ولا يخفى أن التنافس طبع جبلّي يوجد فيه الخير ويرى منه الشر.

اليوم نعيش في زمن تتصاعد فيه المنافسة القوية وتتصارع فيه المواهب الفتية وتتأجج فيه النفوس الطموحة، لدينا اليوم تضخم في الطاقات والمواهب وارتفاع في مؤشرات الإبداع والابتكار وفوران في الإمكانات، وتكدّس في الشهادات العالية والمميزة ورغبة حادة في التألق المستمر، وهذا الأمر محفز ومبشر، لكن السّيئ في الأمر أن تصل هذه المنافسة إلى حرب في الميدان وتراشق للتهم والاتهامات والنبذ واللمز واكتساح الحسد وإسقاط للطاقات وتهميش المواقف المميزة وتصعيد الأخطاء، ومن ثم نفخها كالبالون إلى أن تنفجر ويؤذي دوي صوتها من حولها! كل هذا لأجل ماذا؟

يمكن القول إن دلّ فإنه يدل بالدرجة الأولى على ضعف الثقة بالنفس وخبث الباطن، عقلاء وسادة المجتمع يؤمنون بأن القمة تتسع للجميع وليست محتكرة على شخص واحد فقط! تميّزك ليس إسقاطا لتميز غيرك، ونجاح غيرك ليس عائقا في طريق نجاحك، عش قرير العين هادئ النفس، البعض يشقى حتى يقف كالحاجز المنيع لعرقلة أي جسور ودّ تمتد مع شخصية لامعة مهيمنة في المجتمع خشية على منصبه ومكانته، والبعض يسعى لنفث سمّ حديثه لتقليل وتشويه غيره حتى يقي نفسه بزعمه الخاطئ لا لشيء، فقط اتباعا لهوى نفسه، علامته التجارية تهدف إلى تدمير الغير!


لديه نوع من الفنون الفتاكة فتجده شقيًا مشقيًا لغيره لم يجد الهناء والبهجة، يوظف كل طاقته لهذا الغرض، وكل ذلك ما هو إلا تشويه لصورته أمام الآخرين وانعدام الميزة الاجتماعية من حب الناس. فالحسد - هو شعور عاطفي مبني على تمني زوال ميزة تميز بها الآخرون - شديد الفتك بصاحبه قبل غيره، (النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله)، يجب أن يكون منافسك الأول هو نفسك لأنك بذلك ستعبر حدود الإنجاز المتوقع وستحقق ما هو أعظم منه، وتذكر أن الأمر لا يتعلق بفوز ولا خسارة فالنفس الراقية هي التي تساعد غيرها وتدعم من حولها. كن أبعد ما تكون عن تلك القمامة الفكرية المبنية على: نجاح غيري هو تهديد لنجاحاتي، ومن يسعى إلى التحلي بالأخلاق الكريمة لن يخسر أبدا، لأنها هي أساس التميز والنجاح ومن دون الإساس لا تنفع أعمدة.