فيما يعتمد الأمن الغذائي والتغذية وصحة البيئة على تلقيح النباتات لإنتاج المحاصيل حسب تأكيدات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو»، يسهم النحل من الملقحات بنسبة 35% من إجمالي إنتاج المحاصيل في العالم، حيث يلقح النحل نحو 87 من أصل 115 محصولا غذائيًا رئيسًا في جميع أنحاء العالم.

ويعد التلقيح مسؤولا عما يقرب من 90% من نباتات الزهور البرية، و75% من المزارع الصالحة للأكل،

واللافت أنه في كثير من دول العالم التي تهتم بموضوع التلقيح، فإن ما يجنيه النحالون من تأجير خلايا نحلهم لتلقيح نباتات المزارعين يفوق بأضعاف مضاعفة ما يجنونه من قيمة العسل الذي ينتجه هذا النحل.

الأمن الغذائي

يعد نحل العسل أكثر الملقحات المدارة انتشارًا في العالم، حيث يوجد ما يقارب 81 مليون خلية تنتج 1.6 مليون طن من العسل سنويًا، ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة، وحسب تأكيدات مديرها العام فإن «التقديرات تشير إلى أن قيمة خدمات التلقيح التي تقدمها الملقحات للمحاصيل الزراعية التي تسهم في الإنتاج الغذائي العالمي تصل إلى نحو 600 مليار دولار أمريكي سنويًا، أي ما يعادل 2.250 تريليون ريال».

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن تلقيح النحل يسهم بأكثر من 20 مليار دولار أمريكي سنويًا في الولايات المتحدة الأمريكية، ويسهم بنحو 14.2 مليار دولار سنويًا في أستراليا، فيما تجاوزت القيمة السنوية للمحاصيل الملقحة في كندا عام 2022 ما يقدر بـ7 مليارات دولار.

زيادة المحاصيل

يسهم النحل بشكل مباشر في تحقيق الأمن الغذائي، وفقًا لـ«الفاو»، فثلث إنتاج الغذاء في العالم يعتمد على تلقيح النحل، أي أن واحدة من كل 3 قضمات من الطعام الذي نتناوله يحتاج إلى النحل والملقحات الأخرى وإلا فلن تكون موجودة في طبقنا.

يعمل النحل وغيره من الحشرات الملقحة على تحسين إنتاج الغذاء لملياري مزارع صغير، وإذا تمت إدارة التلقيح بشكل جيد، فيمكن أن تزيد غلة المحاصيل بنسبة كبيرة، وتعمل الملقحات أيضًا على زيادة جودة الغذاء.

طلب متزايد

يزداد الطلب باستمرار على الأمن الغذائي في مواجهة تحديات تغير المناخ وتغيرات استخدام الأراضي والتوسع السكاني البشري، ويمكن أن يؤدي التلقيح المناسب إلى تحسين كمية ونوعية الفواكه والمكسرات والزيوت والمحاصيل الأخرى المنتجة.

اختفاء البشر

في أوائل القرن العشرين، قال ألبرت أينشتاين عبارة بدت في نظر أغلب الناس مروعة بلا داع «إذا اختفى النحل من على وجه الأرض، فلن يتبقى للإنسان سوى 4 سنوات ليعيشها».

وتبدو المعادلة واضحة، فإذا لم يكن هناك مزيد من النحل، فلا مزيد من التلقيح ولا مزيد من النباتات ولا مزيد من الحيوانات ولا مزيد من الإنسان، ويبدو هذا الاقتباس من عالم الفيزياء الألماني بمثابة إنذار نهائي لم يعد من الممكن تجاهله، خصوصًا أن النحل يختفي، ومعه يتعرض مستقبل البشر أيضًا لخطر جسيم.

مناحل ريفية

أكد استاذ علم النحل، البرفيسور أحمد الخام الغامدي، أن وزارة البيئة والمياه والزراعة لها جهود متميزة لدعم صغار المزارعين ضمن برنامج التنمية الريفية المستدامة، وقطاع النحل ضمن القطاعات التي يدعمها البرنامج حاليًا بشكل سخي، لذلك فإن تخصيص دعم برنامج مناحل صغيرة لصغار المزارعين يقع ضمن الدعم المخصص من «ريف» ويعد من مستهدفاته، ومن ضمن الأنشطة الزراعية ذات الميز النسبية والجدوى الاقتصادية.

ويهدف البرنامج إلى استفادة المزارعين الصغار من النحل في تلقيح محاصيلهم، ومن منتجات النحل وصناعاتها التحويلية، خاصة في ظل مبادرة زراعة 45 مليون شجرة فاكهة و4 ملايين شجرة ليمون ضمن مبادرة السعودية الخضراء.

وبرنامج «ريف» هو برنامج التنمية الريفية المستدامة، ويهدف إلى تحسين القطاع الريفي الزراعي لرفع مستوى معيشة صغار المزارعين والأسر الريفية وزيادة الكفاءة والإنتاجية، وتحسين نمط الحياة والأمن الغذائي، كما يعمل على تنمية عدة قطاعات مع التركيز بصفة خاصة على المناطق الريفية المُحددة استنادًا إلى الميزة النسبية للمناطق.

تأجير النحل للتلقيح

يضيف البرفيسور «في كثير من دول العالم يستفيد النحالون ماليًا، سواء من تأجير نحلهم للمزارع أو من إنتاج العسل وحبوب اللقاح والمنتجات الأخرى عند أخذ نحلهم للمزارع، وفي عدد من الدول المهتمة بهذا الموضوع فإن دخل النحّال من تأجير النحل أكثر من دخله من إنتاجها من العسل، على سبيل المثال تقدر قيمة تلقيح النحل في أوروبا الغربية بما يتراوح بين 30 إلى 50 ضعف قيمة العسل، وقيمة الشمع في هذه المنطقة.

وفي أفريقيا بصفة تقدر أحيانًا قيمة تلقيح النحل بـ100 ضعف قيمة العسل المنتج، وتبلغ الفائدة الاقتصادية لخدمة تلقيح نحل العسل 4.58 مرة أعلى من إنتاج العسل في إثيوبيا، و15 إلى 20 مرة أكثر قيمة مقارنة بالعوائد من العسل والمنتجات الأخرى في الهند.

تلقيح تجاري

ويستعرض الغامدي تجربة خاصة قدمتها ولاية كاليفورنيا الأمريكية في تلقيح اللوز بواسطة نحل العسل، وكاليفورنيا مسؤولة عن إنتاج 80% من اللوز في العالم، ويعتمد هذا المحصول بشكل كامل على التلقيح بواسطة نحل العسل، ودون النحل لن يكون هناك لوز.

وفي كل عام تقوم 81 مليار نحلة عسل من 1.6 مليون خلية بتلقيح أكثر من 2.5 تريليون زهرة لوز في أكبر هجرة للنحل على الكوكب، حيث ينقل النحالون هذا النحل من جميع أنحاء الولايات المتحدة على متن 6000 شاحنة.

تأجير الخلايا

يعتمد سعر تأجير الخلايا للمزارعين على قوة الخلية ويتراوح بين 150 إلى 200 دولار أمريكي، ويستمر بين شهرين إلى 3 أشهر.

وفي جنوب البرتا في كندا يتم استئجار ما بين 55000 إلى 75000 مستعمرة نحل العسل لتلقيح حقول الكانولا لإنتاج بذور الكانولا الهجينة التي تعد مصدرًا جيدًا للزيت، وتبلغ تكلفة إيجار الخلية الواحدة في كندا ما بين 50 إلى 150 دولارًا أمريكيًا.

وفي فيكتوريا، في أستراليا يتم نقل حوالي 277 ألف خلية في موسم تلقيح أشجار اللوز، والتي يتم نقلها إلى البساتين على الشاحنات بواسطة مربيّ النحل التجاريين.

في أستراليا، وصلت تكلفة تلقيح اللوز في عام 2022 إلى 160 دولارًا أمريكيًا لكل خلية، في حين أن أسعار تلقيح التفاح تزيد عن 65 دولارا أمريكيا لكل خلية.

دراسة حقلية

تأكيدًا على أهمية التلقيح الذي يمارسه النحل، يقول أستاذ المحاصيل في كلية علوم الأغذية والزراعة في جامعة الملك سعود، الدكتور سالم الحمر «أجريت دراسة حقلية في كلية علوم الأغذية والزراعة بجامعة الملك سعود خلال موسمي 2006-2007 بغرض معرفة تأثير التلقيح بالنحل على صنفين من الفول البلدي، وأوضحت النتائج وجود اختلافات في معدل ارتفاع كمية المحصول عندما تم استخدام النحل في التلقيح».

وتابع «تعد عملية التلقيح بالملقحات، ومنها النحل، عملية أساسية لتحسين كمية المحصول وخاصة في المحاصيل خلطية التلقيح».

ويختم «من الأهمية بمكان أن الملقحات، خاصة النحل، تسهم بشكل مباشر في الحفاظ على الأمن الغذائي، إضافة إلى أنها تسهم في التوازن والتنوع البيولوجي والبيئي».