اشتكى عدد من سائقي السيارات في مكة المكرمة من فرض رسوم توقف جعلت عددًا من شوارع العاصمة المقدسة مدفوعة الأجر، واستغرب كثير منهم أن يتم تطبيق الأجر المدفوع للمواقف على شوارع بعينها بالرغم من عدم تطبيقه في شوارع أخرى تعد أكثر نشاطًا في الحركة التجارية وأكثر ازدحامًا وأهمية.

وتتولى شركة مشغلة لتلك المواقف تعاقدت معها الأمانة الإشراف على تلك المواقف، لكن السائقين تذمروا من أن عليهم دفع مقابل الوقوف حتى لو لدقائق معدودة يقتضيها قضاءهم الاحيتاجاتهم المحلية من المحلات في تلك الشوارع سواء في حي العدل أو جبل النور أو الششة أو العزيزية.

ويتعرض كثير من هؤلاء لتصوير سياراتهم المتوقفة من قبل موظفي الشركة المستثمرة المشغلة، حيث تطاردهم المخالفات لاحقًا، أو يتعرضون لسحب مركباتهم ودفع قيمة تلك المخالفات المسجلة لصالح الشركة التي تحتجز المركبة، ناهيك عن اضطرارهم للتكفل بدفع أجرة سحب المركبة.


ويتذكر هؤلاء السائقين من عدم الوضوح أو غياب الآليات عن عمل موظفي الشركة ومعرفة عدد الدقائق (القصيرة جدًا) التي يمكنهم خلالها التوقف لقضاء حاجة مستعجلة جدًا دون أن يكونوا مضطرين لدفع مقابل التوقف، ودون أو يكون عرضة لتصوير سياراتهم وفرض مخالفة عليها بمجرد وقوفهم إذا ما تزامن ذلك مع مرور موظف الشركة دون التأكد من الوقت المقدر.

معايير غير واضحة

رأى محمد الهذلي، وهو أحد أصحاب السيارات التي تستخدم تلك الشوارع أنه «ليس هناك معايير واضحة في اسناد مثل هذه المواقف للمستثمرين، وليس هناك معايير في اختيار أماكن التطبيق الأكثر تنظيمًا والأكثر تحفيزًا للمستثمرين، بدليل أنه تم تجاهل اسناد المواقف الأكثر والأهم، وتم البدء بشارع الملك فيصل في حي العدل والذي لا تتجاوز عدد محلاته التجارية الـ56 محلا، فيما مواقف الشوارع التجارية الأكثر حيوية والتي يمكن أن تحقق عوائد أعلى للأمانة وللمشغل في آنٍ واحد خارج دائرة الاستثمار وخارج نطاق التشغيل».

وتابع «ليس هناك مبررات لاختيار شوارع بعينها وتجاهل أخرى، فالشوارع التجارية الرئيسة الأربعة بحي الشوقية التي يقع على جنباتها أكثر من ألفي محل تجاري وتحقق مواقفها المدفوعة دخلا عاليًا للمستثمر وعائدًا تأجيريا كبيرًا للأمانة لم يتم البدء بها حتى الآن، وما زالت خارج نطاق التنفيذ بدءًا من شارع محمد بن جبير وشارع عبدالله بن العباس، وطريق الشوقية الرئيس إبراهيم الخليل وشارع زينب الهلالية، فيما سوق العزيزية وسوق ذي المجاز وشارع الملك فيصل بحي العدل هي أهم في نظر الأمانة من شوارع الشوقية التجارية الأربعة الكبرى والأكثر حيوية، وهنا نتساءل: هل تلك الشوارع التجارية الأكبر في مكة المكرمة خارج انتباه إدارة الاستثمار في الأمانة لطرح مواقفها على إحدى الشركات؟، أم أن تلك الشوارع الأربعة مستثناة من التطبيق؟، وهل شارع الملك فيصل بحي العدل أهم من تلك الشوارع سواء من حيث عدد المحلات أو غيرها من الاعتبارات».

تفاوت مثير للتساؤل

شدد المهندس عدي محمد على أن ثمة تفاوت غير مفهوم في اختيار الأماكن التي بدأ تطبيق فرض رسوم على مواقفها، وقال «كيف تطبق فكرة المواقف المدفوعة أمام المقابر التي لا يأتيها الناس إلا لدفن موتاهم أو التعزية في معارفهم، ولا تطبق على شوارع تجارية في أحياء أخرى؟».

وتابع «هذا التفاوت غير المفهوم يعطي انطباعا سلبيًا ومؤسفًا عن الذهنية التي تقرر ما هي الشوارع الأكثر جدوى من حيث الاستثمار، وتقرر من أين يجب أن يبدأ التطبيق».

مساحة الارتداد

بدوره، استغرب محمد محمود أن تفرض الأمانة المواقف المدفوعة في مساحات الارتداد أمام المباني التجارية، وقال إن «مساحة الارتداد أمام بعض المباني التجارية هي ملك لأصحاب تلك المباني، وهي ضمن حدود صكوك ملكيتهم وليست ملكًا للأمانة، والارتداد إجراء تنظيمي متبع لإيجاد مواقف للعملاء، وبالتالي كيف ترى الأمانة أن لها الحق في استثمار تلك الارتدادات لجعلها مواقف مدفوعة؟».

وتساءل «ما مدى تأثر تلك الأنشطة التجارية بالمواقف المدفوعة، خصوصا أن بعض موظفي الشركة يصور السيارات المتوقفة أمامها عند مروره وهو لا يعلم هل وقوف تلك السيارات ضمن المدة الزمنية المسموح بها أم لا».

تأثير المبيعات

يؤكد ياسر العتيبي وهو مالك محل تجاري أن المبيعات في محله وغيره من المحلات تأثرت، وقال «للأسف انخفض البيع بشكل كبير مع تطبيق المواقف المدفوعة، فالمستهلك أصبح يذهب إلى محلات أخرى خشية أن يتعرض للمخالفة إذا لم يدفع رسوم الوقوف حتى لو كان وقوفه لدقيقة واحدة، وللأسف البلدية لم تراعي هذا الجانب».

وأضاف «تحلملنا خسارة الإيجار والديكور والمنتجات الموجودة داخل المحلات فهل نتركها ونبحث عن عمل آخر».

وتمنى من أمانة العاصمة أن تراعي ظروف المحلات التجارية المماثلة وأن تختار شوارع تشهد وجود مقرات للبنوك وشركات الأطعمة الكبرى لتطبيق فكرة المواقف مدفوعة الأجر، وليس الشوارع التي تمارس معظم محلاتها نشاط بيع الخضار والتميس والفول ولا تتعدى أن تكون مجرد بقالات صغيرة.

تنظيم وإدارة

من جانبه، أكد المتحدث الرسمي لأمانة العاصمة المقدسة أسامه زيتوني لـ «الوطن» أن «الهدف من إقامة مشروع مواقف السيارات في العاصمة المقدسة هو تنظيم وإدارة هذه المواقف والمركبات بالأماكن العامة بطريقة منظمة؛ وتطوير الخدمة، وصولًا لتحسين تجربة المستفيد، وإيجاد الحلول المناسبة والمبتكرة، والقضاء على العشوائية التي تسبب عرقلة السير، ورفع معدل استغلال المساحات، وتنظيم وضع الشوارع بشكل عام من خلال تخصيص مسارات وترصيف واضحة ووفق المقاييس العالمية، كما يسهم المشروع في تأمين تخصيص مسارات لحركة ذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك إنعاش المناطق التجارية وتحسين الأنشطة وقيم العقارات لمرتادي هذه المناطق الحيوية والاقتصادية والجزء النابض من المدينة بسبب تزايد عدد مستخدمي المواقف الذي طالما يخدم المصلحة العامة».

وأضاف «تمت دراسة المشروع قبل طرحه بشكل رسمي، إضافة إلى مقارنته بمدن عالمية لها السبق في تطبيق المشروع، حيث حقق نجاحًا في تطوير الشوارع والمواقف العامة ورفع درجة الاستفادة، والارتقاء بمستوى جودة الحياة وتحسين المشهد الحضري، وتجميل الصورة الذهنية للمدينة المقدسة، وصولًا إلى مخرجات فاعلة ومهيئة لتكون مكة المكرمة من أفضل المدن الذكية».

وبين أن المشروع سيشمل جميع شوارع العاصمة المقدسة.