الثلاثاء الماضي نظمت دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بإمارة دبي، «منتدى الوصايا»، وسعدت بحضور فعالياته والاستماع لمشاركات العلماء المختصين بالوصايا الشرعية، لما عرضوه عن «الوصايا وأثرها في المجتمعات»، وما كتبوه عن مستجدات الوصايا الشرعية، جزاهم الله خيرا، وأثاب الدائرة والقائمين عليها من واسع فضله وكرمه.

لن أعيد سرد محاور المنتدى الرصين: «تأصيل الوصايا» و«إنشاء الوصية وتنفيذها ودورها في المجتمعات»، ولن أكتب عن حكمها وحدودها، وتوثيقها وآثارها؛ فكل ذلك يمكن مطالعته في توصيات اللقاء؛ وهنا ومن وحي هذه الشعيرة المطلوبة، والمنصوص عليها في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}، سأكتب بعض ما أتأمل منه حسن التفكير.

بداية أذكر أن السابقين اختلفوا في حكم الوصية بالخيرات، بين الجواز، والندب، والوجوب، وبعضهم أوجبها فقط على من عليه دين، أو عنده أمانة، ومؤخرا ووسط التقنينات الفقهية المعاصرة، أوجبت دول ومجامع متعددة ما اصطلح على تسميته «الوصية الواجبة»، للأقربين غير الوارثين، فرضوا بموجبها حصة تعويضية في تركة الجد والجدة للأحفاد والأسباط الذين توفي أبوهم أو أمهم في حياة جدهم أو جدتهم، أو في وقت وفاتهم نفسه، بمقدار إرث الميت، وعلى ألا يتجاوز الثلث، وألا يكونوا من الورثة، اعتمادا على مرويات لجمع عظيم من فقهاء التابعين وتابعيهم، وما أثر عن متأخري السادة الأحناف، كذا فقهاء الظاهرية، وبطبيعة الحال وجد على الأرض من لم يعجبهم ذلك الإيجاب، اعتقادا منهم بأنه زيادة على الفرائض والسنن، مع أنها سياسة شرعية، ولولي الأمر الأخذ بها، أو تركها.

البديل عن هذا الإيجاب الاجتهادي، لمن لم يتفهم دواعيه، هو «الوصية الاختيارية»، فيوصي الجد والجدة لأحفادهما وأسباطهما الذين فقدوا أصولهم، بمقدار إرثهم، أو بما يشاء المورث، وبما لا يتجاوز الثلث، وهذا يلزمه تثقيف الناس على تذكر الساقطين المحرومين من الإرث، وأن هذا الأمر أعظم من الوقف وعموم الصدقات، وشخصيا أتمنى تبني أهل التشريع تشريعا يلزم بهذا الفضل، صلة للرحم، وبقاء للألفة، وكسبا للبر، وتحقيقا للتكافل الاجتماعي، وأيضا للعدل والإنصاف..

أختم بأن التخصيص بموت الفرع في وجود الأصل، وما يتعلق بالأحفاد والأسباط، ليس الساقط الوحيد، فهناك غيرهم ممن تشملهم كلمة «الأقربين» في الآية، ومنهم كل وريث سقط إرثه بالوفاة المتقدمة، ومن أهمهم المحروم بسبب مانع اختلاف الدين، وهنا تحديدا أقصد الزوجة الشرعية غير المسلمة، استنادا إلى اتفاق الفقهاء على صحة الوصية للذمي، ولا شك أن هذا من «المعروف»، قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا}.