عكس الموقف المنعزل للولايات المتحدة صدعًا متزايدًا بين واشنطن وبعض أقرب حلفائها بشأن القصف الإسرائيلي المستمر منذ أشهر على غزة.

حيث استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرار للأمم المتحدة دعمه جميع أعضاء مجلس الأمن الآخرين تقريبًا وعشرات الدول الأخرى التي تطالب بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة. ووصفه المؤيدون بأنه يوم رهيب وحذروا من سقوط المزيد من القتلى المدنيين والدمار مع دخول الحرب شهرها الثالث.

وجاء التصويت في المجلس المؤلف من 15 عضوًا بأغلبية 13 صوتًا مقابل صوت واحد وامتناع المملكة المتحدة عن التصويت.

وعملت مهمة الدبلوماسيين العرب على تحويل المسؤولية بشكل أكثر مباشرة إلى الولايات المتحدة لحماية إسرائيل من المطالب المتزايدة بوقف الغارات الجوية التي تقتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين.

ووصف نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي التصويت بأنه «أحد أحلك الأيام في تاريخ الشرق الأوسط» واتهم الولايات المتحدة بإصدار «حكم الإعدام على الآلاف، إن لم يكن عشرات الآلاف من المدنيين في فلسطين وإسرائيل، بما في ذلك النساء والأطفال».

خيبة أمل

وفي محاولة للضغط على إدارة بايدن للتخلي عن معارضتها للدعوة إلى وقف القتال، كان وزراء خارجية مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وقطر والمملكة العربية السعودية وتركيا جميعهم في واشنطن لكن اجتماعهم مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن لم يتم إلا بعد التصويت في الأمم المتحدة.

وقال أبو شهاب، الدبلوماسي الإماراتي، قبل التصويت، إن القرار، الذي رعته بلاده، حصل على تأييد ما يقرب من 100 دولة في أقل من 24 ساعة، وهو ما يعكس الدعم العالمي للجهود المبذولة لإنهاء الحرب وإنقاذ حياة الفلسطينيين.

وبعد التصويت، أعرب عن خيبة أمله العميقة إزاء استخدام الولايات المتحدة حق النقض، وحذر من أن مجلس الأمن أصبح معزولا بشكل متزايد و«يبدو غير مقيد» بتفويضه لضمان السلام والأمن الدوليين. كما أعرب السفير الفرنسي نيكولا دي ريفيير، العضو الدائم في المجلس الذي يتمتع بحق النقض والذي أيد القرار، عن أسفه لافتقار القرار إلى الوحدة ودعا إلى «هدنة إنسانية جديدة وفورية ودائمة ينبغي أن تؤدي إلى وقف مستدام لإطلاق النار».

وقال بوليانسكي إن «التاريخ سيحكم على تصرفات واشنطن» في مواجهة ما أسماه «حمام الدم الإسرائيلي بلا رحمة».

اجتماع طارئ

ودعا المجلس إلى اجتماع طارئ للاستماع إلى الأمين العام أنطونيو غوتيريش، الذي استند لأول مرة إلى المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تمكن الأمين العام للأمم المتحدة من إثارة التهديدات التي يراها للسلم والأمن الدوليين. وحذر من «كارثة إنسانية» في غزة وحث المجلس على المطالبة بوقف إنساني لإطلاق النار.

وقال إنه أثار المادة 99 – التي لم يتم استخدامها في الأمم المتحدة منذ عام 1971 – لأن «هناك خطرا كبيرا من الانهيار التام لنظام الدعم الإنساني في غزة». وحذر من أن الأمم المتحدة تتوقع أن يؤدي ذلك إلى «انهيار كامل للنظام العام وزيادة الضغط من أجل النزوح الجماعي إلى مصر».

وأضاف أن غزة وصلت إلى «نقطة الانهيار»، وأن السكان اليائسين معرضون بشدة لخطر المجاعة.

وقال إن وحشية حماس ضد الإسرائيليين في 7 أكتوبر «لا يمكن أبدا أن تبرر العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني».

وشدد على أنه «على الرغم من أن إطلاق حماس للصواريخ بشكل عشوائي على إسرائيل، واستخدام المدنيين كدروع بشرية، يعد انتهاكًا لقوانين الحرب، فإن مثل هذا السلوك لا يعفي إسرائيل من انتهاكاتها».



الكابوس الإنساني

وتحدث الأمين العام للأمم المتحدة بالتفصيل عن «الكابوس الإنساني» الذي تواجهه غزة، مشيرًا إلى الهجمات الإسرائيلية المكثفة والواسعة النطاق والمستمرة من الجو والبر والبحر، والتي ورد أنها أصابت 339 منشأة تعليمية و26 مستشفى و56 منشأة رعاية صحية و88 مسجدًا وثلاث كنائس. وقال غوتيريش إن أكثر من 60 % من المساكن في غزة قد دمرت أو تضررت، وأُجبر حوالي 85 % من السكان على ترك منازلهم، والنظام الصحي ينهار، و«لا يوجد مكان آمن في غزة».

وقال رياض منصور، سفير فلسطين لدى الأمم المتحدة، للمجلس إن هدف إسرائيل هو «التطهير العرقي لقطاع غزة» و«تجريد الشعب الفلسطيني من ممتلكاته وتهجيره قسرًا».

وتابع: «إذا كنت ضد تدمير وتشريد الشعب الفلسطيني، فعليك أن تكون مع وقف فوري لإطلاق النار». وأضاف: «عندما ترفض الدعوة إلى وقف إطلاق النار، فإنك ترفض الدعوة إلى الشيء الوحيد الذي يمكن أن يضع حدًا لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية».

وبعد التصويت، وصف الفيتو الأمريكي بأنه «كارثي»، وقال إنه «يوم رهيب لمجلس الأمن».

جرائم الحرب

وفي واشنطن، قال كبير الدبلوماسيين الأردنيين للصحفيين إن قتل المدنيين الفلسطينيين أثناء القصف الإسرائيلي والحصار على غزة يمثل جرائم حرب ويهدد بزعزعة استقرار المنطقة والولايات المتحدة والعالم لسنوات قادمة. وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي: «إذا كان الناس لا يرون ذلك هنا، فنحن نراهم»، مضيفًا: «إننا نرى التحديات التي نواجهها عندما نتحدث إلى شعبنا. كلهم يقولون إننا لا نفعل شيئًا. لأنه رغم كل جهودنا فإن إسرائيل تواصل هذه المجازر». وانتقدت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنييس كالامارد، الولايات المتحدة لاستمرارها في نقل الذخائر إلى الحكومة الإسرائيلية «التي تساهم في هلاك عائلات بأكملها».

وقال لويس شاربونو، مدير الأمم المتحدة في هيومن رايتس ووتش، إن الولايات المتحدة، من خلال توفير الأسلحة والغطاء الدبلوماسي لإسرائيل «بينما ترتكب فظائع، بما في ذلك العقاب الجماعي للسكان المدنيين الفلسطينيين في غزة، تخاطر بالتواطؤ في جرائم الحرب». وأعرب الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه، عن استيائه واستنكاره لإخفاق مجلس الأمن الدولي في التصويت لصالح قرار حاسم بوقف إطلاق النار، معتبرًا أن هذا الإخفاق ينعكس سلبًا على دوره في حفظ السلم والأمن الدوليين وحماية المدنيين الأبرياء، وحذر، من أن إخفاق مجلس الأمن الدولي في تحمل مسؤولياته في هذه المرحلة الحرجة يعطي الاحتلال الإسرائيلي فرصة لمواصلة وتصعيد عدوانه على الشعب الفلسطيني.



حماية الولايات المتحدة للاحتلال:

قتل المدنيين الفلسطينيين أثناء القصف الإسرائيلي والحصار على غزة يمثل جرائم حرب ويهدد بزعزعة استقرار المنطقة.

نقل الولايات المتحدة الذخائر إلى الحكومة الإسرائيلية يساهم في هلاك عائلات بأكملها.

الولايات المتحدة، من خلال توفير الأسلحة والغطاء الدبلوماسي لإسرائيل بينما ترتكب فظائع، تخاطر بالتواطؤ في جرائم الحرب.