وحينما نتحدث عن الثقافة لا يمكن أن نعزلها عن سياقات تسير فيها من أهمها وأولها على الإطلاق الإبداع والتجديد، فالمثقف -كالحالة الثقافية على السواء- إن لم يعش قلق التجديد، وهاجس التغيير فإنه سيدخل في نطاق اجترار الثقافة وتكرارها، والتكرار سبب للجمود، والجمود مدعاة لفقد الحيوية ثم الحياة. لهذا فالحراك الذي نراه بعد بدء وزارة الثقافة أعمالها، ونشأة 11 هيئة متخصصة بمجال مهم من مجالات الثقافة، وإثراءها بالإبداع المتجدد، والأفكار الخلاقة، والشراكات المتعددة والخروج من مناطق الاعتياد والتكرار في الأسماء والموضوعات والأماكن إلى فضاءات عالمية، ومشاركات فاعلة من ومع كثير من أطياف المجتمع، هو حراك مبدع بلا شك، وأهم شروط الإبداع -وإن كان نسبياً- أن يكون مقترناً بالحرية الخارجية والداخلية.
وقد تجلت إحدى أهم صور هذه الحرية الثقافية أخيراً في المشهد الثقافي السعودي بإعلان إنشاء قناة ثقافية سعودية ستنطلق في توقيت مميز مع العيد الوطني الـ93 بعد عدة أيام. فمهما كانت وسائل التقنية الحديثة ووسائل التواصل متطورة ومتجددة، إلا أن وجود منصة فضائية إعلامية متخصصة بشؤون الثقافة وفعالياتها، وموثقة للحراك الذي تشهده الساحة في مختلف فروع الثقافة الـ11، وتكون مرجعاً للثقافة السعودية، ومنصة للمبدعين من كل الأجيال والميول، تبقى هذه المنصة أمراً مهماً وملحاً، وقوة ناعمة سيكون لها أثرها في المتلقي الخارجي قبل المحلي، وهو ما سيحقق مستهدفات رؤية المملكة وما تتضمنه من مؤشرات ثقافية بشكل خاص.
وأن تكون للثقافة السعودية قناة، فهذا يعني أن سقف التوقعات والآمال سيكون مرتفعاً جداً، وأن الاقتراحات والرؤى قد تأخذ شكل الانتقاد في بعض الأوقات، ولكن بوجود رؤية واضحة تضعها وزارة الثقافة لهذه القناة تضمن فاعليتها وتنوعها وانتشارها، ومع وجود المتخصصين للاستشارة، والتخطيط والتنفيذ، نكاد نجزم أننا على موعد مع محطة لن تلتفت عنها الأبصار بثرائها وتنوعها، واختلاف محاورها وشموليتها لكل الاتجاهات التي تخدمها وزارة الثقافة، والأهم، خروجها من قوالب الثقافة المجترة إلى فضاءات من الإبداع والتجديد.