على خلاف كثير من الحيوانات، يتفرد النمر العربي بأنه حيوان انعزالي، حيث تعيش ذكوره بمعزل عن الإناث، ولا يلتقي الذكر وأنثاه إلا في موسم التزاوج، ثم ينفصلان، وتتولى الأم رعاية الصغار بمفردها، والتي تحرص على نطاقات حركة غنية بالغذاء، لرعاية صغارها.

ووفقا لدراسة أجراها أحمد البوق من الهيئة السعودية للحياة الفطرية، يتربع النمر العربي على قمة الهرم الغذائي كأكبر مفترس ما زال باقيا في شبه الجزيرة العربية. وأشار البوق إلى أن النمر العربي بجماله وجلاله تحول إلى رمز للقوة والغموض والنفوذ، وكان له بُعده العميق في الثقافة العربية على الرغم من صعوبة رؤيته، حيث بقي الغائب الحاضر.

تفرّد


للنمر العربي فرادة في الشكل والحجم والبيئات التي يشغلها تميزه عن غيره من النمور، فلونه يميل إلى الأبيض المرقط ببقع سوداء على الجسم، كل 3 أو 4 بقع تعطي شكل الوردة، ويمتاز بصغر حجمه، إذ يتراوح وزن الذكور بين 30 - 35 كجم، بينما الإناث بين 20 - 25 كجم، وهو يعادل تقريبا نصف حجم النمور الإفريقية والآسيوية المماثلة له في التصنيف على مستوى النوع.

ويصنف النمر العربي في درجة أكثر ندرة من بقية النمور المهددة بالانقراض، حيث يصنف تحت نوع مهدد بالانقراض بشكل حرج Critically Endangered. وقد استند هذا التصنيف إلى أن تقدير الأعداد المتبقية من النمور العربية في كامل نطاق توزيعه الجغرافي أقل من 250 نمرًا بالغًا، وأن تدهور أعداده مازال مستمرًا. كذلك تجزئ بيئاته الطبيعية مجموعاته إلى مجموعات صغيرة منعزلة، أقل من 50 نمرًا لكل منها، وهو يحتاج إلى إجراءات عاجلة، لإنقاذه من حافة الانقراض.

وينتشر النمر العربي في السعودية والإمارات وعمان واليمن والأردن، لكن انتشاره الحالي انحسر، ليشغل فقط 1% من انتشاره التاريخي.

صيد في الظلام

تستغل النمور الظلام للتخفي. لذا، فإن معظم صيدها يكون في الليل، إذ يعتقد أن صيد الليل أنجح من صيد النهار، وهي تقتل فرائسها الكبيرة بصيدها من الرقبة، وتصيد الفرائس الصغيرة من خلف الرقبة أو المؤخرة. وقد تسحب فرائسها لمسافة بعيدة، تجنبا للمترممات والمفترسات الكبيرة الأخرى، وتصل مسافة السحب أحيانا إلى مئات الأمتار، إلى أن تصل إلى المناطق الكثيفة النباتات، أو ترفعها على الأشجار، حيث إنها تملك قوة هائلة في السحب.

تكاثر النمور

يحدث تزاوج النمور غالبا في فصل الشتاء، والولادات في فصل الربيع، وحينما تكون هذه النمور حرة (أي في البرية غير أسيرة) يصبح تكاثرها صعبا، لأن تطلب الأنثى للتزاوج لا يدوم سوى يوم إلى يومين فقط.

ويستمر الحمل نحو 96 يوما، وعدد مواليدها يتراوح بين1-3 مواليد، وفي حالات نادرة تضع الأنثى 6 مواليد، ولكن معظم الولادات تضع فيها الإناث شبلين.

‍مهددات كثيرة

تتدهور أعداد النمر العربي في المملكة نتيجة عدة أسباب: فقدان البيئات وتجزؤها نتيجة ضغوط التنمية المتسارعة والعشوائية، والرعي والاحتطاب الجائرين، وحرائق الغابات، وفتح الطرق العشوائية، والتلوث بكل أشكاله، وكذلك نتيجة القتل المباشر من الرعاة، لافتراسه بعض المواشي. والقتل يكون غالبا بشكل غير مباشر من خلال تسميم بواقي الحيوانات المفترسة الكبيرة التي عادة ما تعود إليها النمور، لصعوبة سحبها إلى أماكن آمنة. ومن أهم أسباب تدهور أعداد النمر العربي صيد فرائسه الطبيعية مثل الوعول الجبلية والظباء العربية والوبر والأرانب البرية وغيرها من قِبل هواة الصيد، والإفراط في ذلك، والسبب الأخير الاتجار غير المشروع في النمور الحية ومنتجاتها، مما يدفع البعض لصيدها، وبيعها بأثمان عالية.

وفي إطار اهتمام المملكة بالمحافظة على النمر العربي من التهديد والانقراض، أسست الهيئة الملكية لمحافظة العلا صندوقًا للنمر العربي في 2020 بوقف تأسيسي قيمته 25 مليون دولار. كما أقرّ مجلس الوزراء في يناير 2022 يوم 10 فبراير من كل عام يومًا للنمر العربي.

الحيوان في الشعر العربي

بقي حضور النمر العربي قليلا في الشعر العربي مقارنة بحضور حيوانات أخرى، وهو ما يُفسر بأن النمر حيوان انعزالي، ويعيش في بيئات جبلية وعرة، ومعظم نشاطه ليلًا، لذلك أثرت قلة مشاهداته وصعوبة تأمله على وجوده القليل في الشعر، وإن ذُكر فهو رمز للقوة. ومن أسمائه في اللغة العربية: الأبرد والأرقط والسبنتي والكثعم والضرجع، وأنثاه تسمى: النمرة والخيثمة والسبنتان والعسبرة، ومن أسماء أشباله: القزر والهرماس. وصوت النمر عند الغضب يسمى الزّمخرة. أما عند الاسترخاء والراحة فيسمى الهرير والغطيط والخرير، ويجمع اسم النمر على أنمر ونُمور وأنمار ونِمارة.

ومن أقدم الإشارات إلى النمر في الشعر العربي ما قاله امرؤ القيس (توفي 540 للميلاد) عندما وصف من يحبهم بأن مساكنهم رؤوس الجبال، حيث يعدو النمر على شياههم.

أَحَـبُّ إِلـَينا مـِن أُنـاسٍ بِقِـنَّــةٍ.. يَروحُ عَلى آثارِ شائِهِمُ النَمِر

ووصفت الخنساء (توفت 645 م) أخاها صخرا وشجاعته بأنه كان كالنمر يمشي إلى الحروب هادئا، وسلاحه الأنياب والأظفار:

مَشى السَبَنتي إِلى هَيجاءَ مُعضِلَةٍ.. لَــهُ سِــلاحـانِ أَنـيـابٌ وَأَظـفــــارُ

ويرثي دريد بن الصٍمة (توفي 630 م) صديقه معاوية أخا الخنساء:

بِشِكَّةِ حازِمٍ لا عَيبَ فيه.. إِذا لَبِسَ الكُماةُ جُلودَ نَمرِ

كما يقول عمر بن أبي ربيعة (توفي 719 م) إنه كلما زار حبيبته «نُعماً» يتنمر عليه قريب لها:

إِذا زُرتُ نُعماً لَم يَزَل ذو قَرابَةٍ.. لَـهـا كُــلَّمـا لاقَـيـتُها يـَتـَنَمَّـــــرُ

ويبدو أن لبس جلود النمور كناية عن الاستعداد للحرب، وهو المعنى الذي تردد منذ قرون عند ابن الرومي (توفي 896 م):

سرى إليه عداةُ اللَه فانْصَلتوا.. مستأسِدين عليهم جلدة النّمرِ

ولكن أجمل وصف للنمر في الشعر العربي ما قاله القتال الكلابي (توفي 690 م)، وهو من الشعراء الصعاليك الذين فروا إلى جبال المدينة المنورة، وآخى فيها نمرا له كهف يتردد عليه، ولونه «جون»، وهذا من التضاد، أي الأسود والأبيض، على الرغم من أن ظاهره يدل على السواد، حيث وصف النمر بالصاحب في أجمل صور الأنسنة:

وَلي صاحبٌ في الغارِ هَدَّكَ صاحِبًا.. هُــوَ الـجَــونُ إِلّا أَنَّـهُ لا يُـعَــلَّــــلُ

إِذا مــا الـتـَقَينا كـانَ جـُلَّ حَـديثِنــا.. صِـماتٌ وَطِـرفٌ كَـالمَعابِـلِ أَطحَـلُ

تَـضَـمَّنَـتِ الأَروى لَنـا بِـطـعـامِـنـا.. كِـلانـا لَـهُ مِـنها نَـصـيـبٌ وَمَـأكَــلُ

فَـأَغـلـِبُهُ فـي صَـنعَـةِ الـزادِ إِنَّـنـي.. أُمـيـــطُ الأَذى عَــنـهُ وَلا يـَتَـأَمَّـــلُ.