والتاريخ على مر العصور إلى وقتنا الحالي يشهد ويعج بقصص الأتباع الذين يتبعون بطريقة عمياء مؤدلجة ويقدسون من يرون فيهم الرمز لهم أو القدوة العظيمة وينزلونهم أعلى من منازلهم ويرفعونهم لدرجة القدسية وهم بشر لهم مالهم وعليهم ما عليهم يخطئ ويضل، وقد يظهر للناس في النور قدوة ونموذجًا فاخرًا، ولكن له جانبًا آخر مخفيًا في الظل يكون ظالمًا أو الصورة الأخرى البشعة، والغريب في الأمر أن هؤلاء الأتباع يقرؤون القصص الصادمة لضلالات الأتباع باستهجان، وهم في الواقع يقومون بنفس الدور المهين لاستلاب الفكر والإرادة.
في واقعنا وفي فضاء المواقع والتطبيقات نماذج كثيرة لذلك، فهناك مثلًا أحد دعاة التحرر العقلي والفكري من المتنورين ودعاة السلام والتعايش، وله باع طويل في التغيير والتطوير، وباحث ومفكر ومحارب لأفكار الصحويين والمتطرفين، أو هكذا يقدم نفسه من خلال طروحاته، وله من الأتباع والتلاميذ من يرون فيه وفي منهجه قولًا لا يرد وعملًا لا ينتقد، يعجبه ذلك ويسره ولا ينتقده، ولكنه من باب التواضع الكاذب والحياد الظاهري يقول: لا تأخذوا كل ما أقوله ولا تتبعوني، بل وصل به الأمر إلى أن اتخذ منهجًا جديدًا وبدأ يسلك فيه اتجاهات مختلفة عما عرف به، وبات كما يدعي كاشفًا للحقيقة وينشر أفكارًا ودراسات ومنشورات وربما خزعبلات وأفلامًا ويقول: إن الناس مبرمجون ومخدوعون، وهو بالوقت ذاته يقوم ببرمجتهم فتارة تنويريًا وتارة طبيبًا يحارب الأطباء وهو يبيع الدواء، وتارة سياسيًا محرضًا ومخلصًا للبشرية، ويدعو للحريات وبيئات السلام وهو يمارس الإقصاء والهجوم على المخالفين والمعارضين، ويحارب فكرة الفرقة الناجية ويدعي أنه ومن يتبعه الفرقة الناجية بما يطرحه ويبرمج الأتباع عليه.
هو من يحارب فكرة المنقذ والمخلص وهو من نصّب نفسه غاندي زمانه، هو من يقول إنه لا أحد يملك الحقيقة المطلقة، وبالوقت ذاته يزعم أنه الذي يكشف الحقائق والمؤامرات العالمية «جاب الذيب من ذيله»، وهو من حرض الناس في أيام كورونا بعدم أخذ اللقاح ومخالفة سياسات حكومات بلادهم الصحية، وهو من هرب إلى خارج البلاد فترة ثم عاد وأخذ وأهل بيته اللقاح قناعة وخوفًا من الوباء، ولم يقل لأتباعه ما فعله، وبقي تحريضه لم يتراجع عنه، هذا المثال غيض من فيض ونقطة في بحر المؤدلجين من كافة الاتجاهات والتوجهات والتيارات، وفي النهاية فإن المشهد يتلخص في أن الكل يقول: لا تؤجر عقلك ولا تسلم إرادتك لغيرك ولا تتنازل عن تفكيرك، ولكن معظمهم يقولون ذلك وهم ضمن قطيع كبير أو صغير لهذا المتبوع أو ذاك.